كرامة الأطباء المفتقدة في الزمن الصعب

عبدالله ملاعب

حوالي ١٢٠٠ طبيب لبناني هاجروا تاركين أكبر المستشفيات الجامعية اللبنانية الموجودة في العاصمة بيروت. أزمتهم تخطت حدود الواقع المعيشي الهش والصعب لتطال كراماتهم، نعم كراماتهم كأشخاص قبل أن يكونوا أطباء وأبناء رسالة إنسانية سامية.

وحسب ما يتم تداوله في الوسط الصحي، أفاد أحد الأطباء “لبنان الكبير”، أن “حوالي الخمسين بالمئة من الأطباء في لبنان، كانوا يتقاضون مليوني ليرة لبنانية شهريًا قبل الأزمة، اي ما كان يساوي ١,٣٣٣$. واليوم بات هذا المبلغ لا يساوي 140$، لكنّه بقي راتبًا شهريًا لعدد كبير من الأطباء اللبنانيين الذين كغيرهم باتوا ضحية الأزمة المالية التي عصفت بنا وأفقدت عملتنا أكثر من ٧٠٠٪؜ من قيمتها بحسب دراسات البنك الدولي”.

وعلى الرغم من هول هذا الواقع المعيشي المرير الذي دفع بعدد كبير من الأطباء إلى الهجرة والقبول بفرص عمل تحاكي تعبهم ومهمتهم، وهناك سبب آخر أساسي، يدفع الأطباء الى اتخاذ الخيار الجدي بالهجرة وترك لبنان وهذا السبب هو نفسي ــــ إجتماعي مرتبط بتعامل المرضى وذويهم معهم.

فمع تفاقم حالات كورونا في الفترة السابقة وارتفاع أعداد المصابين الذين كان لا بدّ من نقلهم إلى المستشفيات، ووسط الأزمة الاقتصادية الكارثية التي ترافقت مع انهيار القطاع الطبي، ارتفعت حالات التعرض للجسم الطبي، وكثرت الحوادث التي كان فيها الجيش الأبيض عرضة للضرب والشتم.

اعتداءات متكررة على الأطباء عزّزت خيار الهجرة في بلد “ما حدا طايق فيه الثاني”. من طرابلس، حيث تم الاعتداء على الطبيب لؤي شبلي في أيار ٢٠٢٠ إلى بنت جبيل حيث تم الاعتداء على الطبيب علي صوفان في نيسان ٢٠٢١. وعشرات الانتهاكات جرت بين هذين الحادثتين، بعضها غير موثّق والبعض الآخر نُشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إنما العنصر المشترك بين كل هذه الاعتداءات هو تفاخر المعتدي في لحظة معينة بتعرّضه لطبيب.

مشاهد متكررة فيها انتهاك فادح لكرامة الأطباء، دفعت النقابة للطلب والإلحاح بشكل كبير لإقرار مجلس النوب مشاريع قوانين متعلقة بحصانة الطبيب المهنية.

ولا شك أن المطلوب اليوم الإسراع في إقرار كل القوانين الرامية إلى تحصين الأطباء وضمان فرض عقوبات على كل من يتعدى عليهم أو على أي عامل في قطاعهم سواءً بشكل معنوي أو جسدي.

لا نستطيع المطالبة ببقاء الأطباء وتخوين كل من يهاجر منهم، في وقت تفشل فيه الدولة بحفظ كراماتهم. التصفيق للطبيب من على شرفة المنازل لا ينفع، إنما المطلوب قوانين إجرائية توقف هذا النزيف الحاصل في أكثر القطاعات أهميةً.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً