القطاع الصحي والمصير المجهول

ساره عكاري
ساره عكاري

… وكأنه لم يكفِ لبنان الأزمات التي تتوالى عليه من أزمة اقتصادية ومالية وسياسية، خاصةً في السنوات الخمس الأخيرة، حتى خيم شبح كورونا عليه وقضى على ما تبقى من مخلّفات الوطن.

وكأنه لم يكفِ لبنان أيضًا مصائبه، حتى وقعت مأساة ٤ آب المشؤومة وحوّلت ست الدنيا بيروت الى مقبرة أحلام الشباب والشابات. وقعت وكأنها لعنة أصابت الشعب بكامله، وفقد الأمل في القلوب.

هذه المقدمة ليست بهدف التذكير بقساوة ما أصابهم بقدر ما هي تذكير للمواطنين بتقصير حكّامهم وإهمالهم وفسادهم الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص ودمّر حياة الآلاف. فبين أزمة كورونا وصراع النفوذ السياسي وتفجير مرفأ بيروت، ألقت الأزمات بثقلها على الطاقم الطبي وأسفرت عن ازدياد نسب هجرة الأدمغة في السنة المنصرمة، خاصةً هجرة الأطباء والممرضات والممرضين.

فهم الجيش الأبيض الذي استنفر بين اسّرة المستشفيات لتقديم الرعاية الصحيّة لمرضى كورونا. وهم الذين قاموا بواجبهم على أكمل وجه إثر تفجير مرفأ بيروت واستشهد بينهم 6 أطباء وممرضين. هم من شهد على قساوة الدماء والدمار والوجع، عندما دمّر إهمال الحكام مدينة بكاملها، فاستقبلوا الجرحى لتضميد جراحهم ومعاطفهم ملطخة بالدماء، وشرّعوا أبواب المستشفيات، أو ما تبقّى منها، في خدمة المصابين. فمن منّا ينسى صورة الممرضة البطلة التي لم تحتمِ لحماية نفسها، بل لتأمين ملاذ لثلاثة أطفال فضلت خلاص روحهم على روحها.

هل هناك من يتجرأ على معاتبة من هاجر من الأطباء والممرضات والممرضين؟ وكيف لهم أن يبقوا ولم يقدم أصغر مسؤول في الدولة اللبنانية على تعزيتهم أو أقلّه، شكر هؤلاء الأبطال على كل ما قدموه على مذبح الوطن.

إن البلد الذي كان يُدعى مرّةً “مستشفى الشرق”، على شفير انهيار القطاع الصحي فيه بعدما اعطاه الطاقم الطبي كل شيء ولم يعطه لبنان بالمقابل اي شيء يذكر. ستستفيد بلاد الاغتراب من طاقات أطبائنا وكفاءاتهم ونحن بأمس الحاجة اليهم. فهم لم يهاجروا بسبب الأوضاع الاقتصادية المترديّة وحسب، بل فرّوا من سوء ادارة البلاد وعناد السياسيين وانعدام أمل التغيير بعد الفاجعة.

الأكيد أن الخسارة الكبرى لم تقتصر في لبنان على الخسائر المادية والمالية، فكللتها هجرة الأطباء تاركين وراءهم فراغ لا يمكن سدّه، واضعين مصير القطاع في المجهول.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً