الحرب الأهلية تعبث بحاضرنا اليوم

نور صفي الدين

بقي موضوع الحرب في لبنان أمرًا مفتوحًا على مجموعة احتمالات، وإن لم نعد نسمع صوت القذائف، وإن لم نشهد على ما حدث من مذابح، فنحن ما زلنا نتألم من تبعات تلك الحرب الأهلية، التي تُرجمت بعد انتهائها على شكل عنف يومي متمأسس شرّع الميليشيا في النظام وغلّب حكم القوي على حكم القانون.

وإذا كانت العدالة الانتقالية هي وسيلة لترسيخ العدالة والمحاسبة، فلم يكن العفو العام الا أداة سلبت اللبنانيين حقوقهم المدنية، وقيدت لحمة النسيج الاجتماعي، وساهمت في نكىء الجراح عن طريق ترسيخ الشعور بالمظلومية وإمكان الإفلات من العقا،ب لدى كل الأطراف المشاركة وقاعدتها الشعبية حتى باتت كل شريحة تشعر أنّ بإمكانها أن تسترد حقها بيدها.

إنّ حرمان اللبنانيين من مواجهة صدمة الماضي لم يكن سوى لمصلحة الزعماء، الذين قرروا أن يدخلوا الى الحرب، فقتلوا الأبرياء وأخفوا المقابر الجماعية، وتاجروا في مصائر اللبنانيين، ثم عادوا واتخذوا قرار الخروج منها من دون أن يسألوا أهل الضحايا والمهجّرين والمتضررين عن حالهم، فكتب التاريخ الأحمر بيد مرتكبي الجرائم مستقبلًا رماديًا لأبناء هذا الوطن.. وما الإفلاس المالي والاقتصادي والسياسي الذي يعدمنا اليوم سوى نتيجة لصفقة الطائف (المحاصصة) التي كان من المفترض أن تأسس لمرحلة سياسية مقبلة، غير أنها في حد ذاتها تحولت الى عقدة يصعب تخطيها نظرًا لتوافق زعماء الحرب وتجاهل قرار الشعب.

وفي ظل الانقسام الطائفي، ومأسسة الطائفية في القانون والتشريعات والممارسات السياسية، لا يمكن لنا سوى أن نعترف بأن الحرب الأهلية تقوم اليوم على أنقاض ما خلفته من دمار، وأنّ طيفها يقيد كل محاولة لإرساء السلم في المجتمع اللبناني. وإذا كان القانون قد كُتب بيد الظالم، فيمكن لنا وبمشروعية مطلقة أن نساءل القانون، بحسب هنري ديفيد ثورو، حين تكون الثورة والعصيان والغضب ذريعة لقتلنا… فمن قال أن القانون في هذه الحالة يعني الضمير؟ وأنَ اجتماع ضمائر في قاعة مجلس النواب تعني الضمير الشعبي؟

تبقى قصص الأبرياء مكتومة في المقابر، ومصائر المفقودين نائمة في بيوت مقفلة، ولا تستحي أسماء المجرمين المعلقة في شوارع مدننا أن تقول أنا هنا، أنا هنا!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً