بين الحقيقة وسوء الترجمة… هجوم على “عنصرية” الراعي

هيام طوق
هيام طوق

ليست المرة الأولى يتعرض فيها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى كلام مسيء، إلا أن ما جاء على لسان الشيخ أحمد اسماعيل خرق كل أصول التخاطب بين المكوّنات اللبنانية التي مهما اختلفت آراؤها حول المواضيع الوطنية، تبقى محافظة على حد أدنى من الاحترام من دون المس بأمور شخصية أو بالكرامات.

وكان الشيخ اسماعيل قد وجه كلاماً مسيئاً وألفاظاً نابية إلى البطريرك الراعي حيث كتب بعنوان “خسئت يا راعي البقر، يا لرخص كلماتك وعظاتك ومواقفك التافهة يا راعي الألزهايمر والباركنسون. المازوت دخل ليسدّ عورات دولتك المارقة الفاشلة التي تفرج ساقيها للمال الخليجي الذي ذهب الى جيبك وجيوب من تحميهم بجبتك الملطخة بكل الخطوط الحمر والجيوب اللانهائية”، وذلك رداً على المقابلة التي حصلت على هامش مشاركة البطريرك الراعي في مؤتمر كنسي في العاصمة المجرية “بودابست”، ونشرت في موقع إذاعة الفاتيكان الجمعة الماضي باللغة البولندية، بحسب ما ذكرت مواقع التواصل الاجتماعي، وترجمتها بعض المواقع الالكترونية الى اللغة العربية إذ أكدت مصادر مقربة من بكركي لـ”لبنان الكبير” أن البطريرك لا يتحدث البولندية إنما الانكليزية.

وعلى الرغم من أن المكتب الإعلامي في بكركي لم يعمد إلى نشر نص المقابلة باللغة العربية، لمعرفة الخيط الابيض من نظيره الاسود، لفت النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم في حديث لـ”لبنان الكبير” الى ان “البطريرك يتعرض لهجوم دوري مما يعني ان هناك قراراً في هذا الاتجاه ربما لأن مواقف البطريرك الوطنية لا تتوافق مع مواقفهم. ما يحصل هو تعبير عن عدم رضى او غضب معين من مواقف البطريرك”. واعتبر ان “الكلام يأتي بمستوى من ينطق به. لسنا معتادين استخدام هذه اللغة في التخاطب في ما بيننا”.

وعن مطالبة البعض إحالة هذا الكلام على النيابة العامة التمييزية، قال مظلوم: “البطريركية ليست في وارد ادخال القضاء في أمور كهذه”، متسائلاً: “هل هذا الكلام بمثابة مبادرة شخصية صادرة عن مطلقها أو أن طرفاً ما يدفعه الى هذا الكلام؟ أغلب الظن أن مثل هذه التصريحات ليست شخصية، متمنياً على الجميع الخروج من اللغة التي لا تليق بنا كشعب لبناني. على الرغم من كل شيء، ما زلنا في بلد فيه ديموقراطية وحرية رأي”.

وكان لافتاً انتشار مواقف البطريرك كالنار في الهشيم بمواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً مواقع سورية معارضة التي نشرت نص المقابلة باللغة العربية وركزت على ان الراعي طالب بإعادة النازحين إلى بلادهم ولو بشكل غير طوعي، معتبرة أنه أطلق سيلاً من “أشد التصريحات عدائية وعنصرية تجاه اللاجئين السوريين في لبنان”.

تصريح البطريرك استدعى رداً من المفتش العام المساعد في دار الفتوى الشيخ حسن مرعب الذي رأى في تصريح عبر ​مواقع التواصل الإجتماعي​ أن “ما نقل عن البطريرك الراعي بمثابة إعلان حرب طائفية خصوصاً في وضع ‫لبنان الراهن والتفلت الأمني الذي يعيشه”.

وفي تصريح آخر، قال مرعب: “عندما يتحول الراعي الى جلاد ومن حمامة سلام وداعٍ الى المحبة والرحمة إلى وحش كاسر عديم الإنسانية تبرز من أنيابه العنصرية المقيتة والحقد الدفين فقط لأن غالبية اللاجئين السوريين من المسلمين ولو كانوا من ملته لمُنحوا الإقامات بل والجنسيات أيضاً ولسكنوا البيوت والعمارات بدلاً من الخيام والمستودعات”. 

مرعب: لبيان توضيحي من بكركي

وفي حديث مع “لبنان الكبير”، أوضح مرعب أن “دعوة البطريرك الراعي الى عودة السوريين الى بلادهم عنوة أو قسراً هي التي جعلتني أرد عليه بهذه الطريقة”، مشيراً الى ان “عدداً من المواقع الالكترونية، ترجمت كلمة الراعي، واستخدمت عبارة عودة النازحين قسراً وعنوة. اذا كان الكلام صحيحاً، فهذا أمر خطير جداً، ومسيء الى البطريرك والى أي رجل دين يتميز بصفات الرحمة والانسانية قبل غيره. ونتمنى أن يكون هناك سوء ترجمة، ونحن لسنا على خلاف مع البطريرك، لكن ما من رجل دين في العالم يتحمل هذا الكلام حتى بابا الفاتيكان. أما اذا تبين ان هناك تحويراً في كلامه أو ترجمة خاطئة، فهذا يستدعي رداً من بكركي في بيان توضيحي. واذا كان هناك سوء ترجمة، فأنا مستعد لكلام آخر”.

وشدد على “اننا مع عودة النازحين الى بلادهم، لكن العودة الآمنة الى بيئة تحفظ سلامتهم، وليس بالغصب والعنف والاجبار، وبالتالي عندما يصدر موقف كهذا عن المرجع الروحي الاعلى في الكنيسة، فهذا كلام ربما لا يتلقفه الجميع بطريقة سلمية وربما البعض يتعرض للسوريين أو يحرقون خيمهم ويضربونهم بحجة أن البطريرك اعتبر انه يجب عودتهم قسراً. كلامي جاء رداً على ما نُشر عن لسان البطريرك اذ لا يمكننا موافقته على موقفه في العودة قسراً لأن هذا يعني العودة بالعنف والقوة والاجبار. المشكلة في استخدام عبارات: قسراً وعنوة ووجوباً”.

وعن وصفه البطريرك بالجلاد والوحش الكاسر، لفت مرعب الى “انني قلت هذا الكلام رداً على كلام البطريرك حول وجوب العودة قسراً. اذا كان الكلام صحيحاً، فيكون تحول الى جلاد لأنه بذلك وكأنه يطلب من الناس أن يتعرضوا للسوريين لاعادتهم الى بلدهم بالقوة، مشدداً على اننا الى جانب البطريرك في عودة النازحين لكن ليس بالطريقة التي نُشرت عن لسانه. نتمنى أن يكون هناك سوء ترجمة، ولم نكن يوماً على خلاف مع البطريرك اذ ما من رجل دين في العالم يتحمل هذا الكلام حتى بابا الفاتيكان”. 

مظلوم: البطريرك لا يتحدث بلغة العنف

وأكد النائب البطريركيّ العام المطران سمير مظلوم انه “لا يمكن البطريرك أن يتحدث بهذه اللغة التي يتم تداولها عن وجوب عودة السوريين قسراً أو عنوة. ليس هذا أسلوب البطريرك كما انه لا يدعو الى حرب أو يعمد الى تجييش اللبنانيين على السوريين كما يُتهم. إنها تأويلات لا تخطر على بال البطريرك ولا يمكن أن يتحدث بهذه اللغة، لغة العنف والاجبار والعودة قسرا، مشيرا الى ان قضية النازحين تأتي ضمن مجمل القضايا اللبنانية المطروحة، وهي دعوة الى الامم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حل مشرف يحفظ كرامتهم كمواطنين محترمين في دولتهم، ويساهمون في بنائها. واذا كانوا ممنوعين من العودة أو لديهم أسباب تمنعهم من العودة بسبب التعرض لسلامتهم ، فهذا حقهم”.

ولفت الى ان “هناك دعوة الى الدولة السورية لايجاد حل لمواطنيها، لاعادتهم الى أرزاقهم وممارسة حقوقهم. البطريرك يطالب بالحفاظ على كرامة الناس وحقوقهم. هؤلاء النازحون هربوا من الحرب التي تدخلت فيها كل الدول التي عليها ايجاد حل انساني مشرّف لهم، وبالتالي، البطريرك يعتبر أن هؤلاء مجرد أن هُجروا من بلدهم، أصبحوا مظلومين ومحرومين من حقوقهم، وهو يطالب بإعادة حقهم في العودة، ليعيشوا بكرامتهم مثلهم مثل المواطنين الآخرين”.

شارك المقال