إصلاح الكهرباء لا يمرّ من طهران!

عبدالله ملاعب

في خطابه المُتلفز الأخير تناول الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله عدة ملفات دسمة، مهدداً فيها البعض ومرشداً فيها البعض الآخر. والمشترك في كل الملفات التي طرحت، هو التسويق للجمهورية الاسلامية الايرانية وإظهارها بصورة الحريصة على دعم لبنان وكسر الحصار الغربي والعربي المفروض عليه. وفي هذا السياق، تطرق نصرالله إلى ما يُعرف بالعرض الايراني لحل أزمة الكهرباء في لبنان والذي أتى على لسان وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان، معرباً عن خشيته من أن يكون المطلوب تدمير قطاع الكهرباء لتبرير خيار الخصخصة.

قوبل الاقتراح الإيراني بالترحيب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أتى رده بشرط مُقنَّع مفاده أن يكون العرض “مندرجاً في سياق مساعدة لبنان في المحافظة على منطق الدولة والمؤسسات الدستورية”. أما “حزب الله” فكعادته ضم العرض إلى كل ما يأتي من إيران فاستثمره وأدخله في “البروباغندا” عينها التي تُرافق دخول إيران “كارتيل” النفط اللبناني. لكن خوف الأمين العام للحزب من أن يكون غياب الإصلاح الحقيقي في قطاع الكهرباء مدخلاً لخصخصة القطاع في غير محله لأن التيار الوطني الحر هو الذي منع ويمنع إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، يوم تسلم التيار زمام الطاقة في لبنان وسعى لتغذية عجز الكهرباء الذي بات يشكل نصف حجم الدين العام، عوضاً من تغذية الكهرباء التي تشهد اليوم أدنى مستويات لها منذ عشرات السنين، بأقل من ساعة في اليوم، في العديد من المناطق اللبنانية.

المشكلة في العرض الإيراني، أن منطق “كسر الحصار” يجب أن لا يمر مرور الكرام فالاقتراحات العربية الهادفة لمعالجة أزمة الكهرباء موجودة منذ زمن وفي طليعتها مشروع الصندوق الكويتي لإعادة تأهيل محطتي الذوق والجية لتوليد الكهرباء. هذا المشروع تعهد الرئيس ميقاتي إعادة العمل به، في حين لم تتضح حتى الساعة أي معالم تشير إلى تواصل الحكومة مع دولة الكويت أو الصندوق الكويتي في هذا الخصوص، حسبما أكدته مصادر مطلعة على الملف.

وفي السياق عينه، إن هذا المشروع الذي عطّله حلفاء “حزب الله”، الخائف على وجود مؤامرة لتخصيص الكهرباء، قائم على تسليم لبنان قرضا مُيسرا بقيمة 85 مليون دولار اميركي لتشغيل المحطتين المذكورتين. وقد تم التوقيع عليه عام 2013 إنما لم يعمل به بسبب رفض وزراء التيار الوطني الحر اتّباع الاجراءات المتعارف عليها في الصندوق الكويتي والتي من شأنها التأكدّ أن الأموال التابعة للقرض المُيسر موضوعة في المكان السليم بعيداً من الترضيات الحزبية الضيقة ولكون الصندوق الكويتي يعمل بمهنية تضمن سلامة وحسن تنفيذ المشاريع، الأمر الذي لم يرُق للتيار الوطني الحر بل دفعه للضغط على الحكومة ليُصار إلى تعطيل المشروع في مجلس الوزراء. ويُذكر أن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي يساهم أيضا في المشروع عينه، إلا أنه نال المصير عينه وللأسباب عينها.

تجدر الإشارة إلى أن تجربة دولة الكويت والصندوق الكويتي مع لبنان كانت بمنتهى الفاعلية ولا سيما في إعادة إعمار البلاد بعد حرب تموز 2006 أو حتى بالمشاريع التي فاق عددها 25 قرضاً منها 4 قروض سابقة تعنى بتمويل مشاريع كهرباء جونية عام 1966 وتأهيل مؤسسات كهرباء لبنان عام 1991 وإصلاح المنشآت الكهربائية المتضررة من الغارات الإسرائيلية عام 2000. ومنذ ذلك الحين وبفضل المسؤولين عن ملف الطاقة، لم تُنفذ أي اتفاقية قرض في هذا القطاع بين لبنان والصندوق الكويتي، بل على العكس جرى عرقلة كل المشاريع ولا سيما في حكومة حسان دياب التي أدارها جبران باسيل باعتراف وزراء شاركوا فيها، إذ تقدمت حكومة دياب في حزيران 2020 بمشروع قانون لإلغاء الاتفاقية المبرمة مع الصندوق الكويتي في هذا السياق، بهدف التخلص من قرض الـ85 مليون دولار بشكل نهائي مع العلم أنه يُشكل المبادرة الوحيدة حتى الساعة الهادفة لانشاء قطاع كهرباء حقيقي والآتية من دولة عربية لها رصيدها في دعم لبنان من دون الاستثمار السياسي فيه، كما فعل اللهيان الذي لَهَا في لبنان كما تلهو دولته وتوابعها.

يجوز تنشيط ذاكرة كل من يتناسى ما قدمته الدول العربية للبنان ولا سيما في قطاع الكهرباء. كما يجوز تذكير الرئيس ميقاتي بما تعهد به عشية تكليفه وقبل نيله الثقة النيابية. فالقرض الكويتي لا يتطلب أكثر من نية سياسية وطنية حقيقية لإصلاح قطاع الكهرباء بعيداً عن السرقات. وحكومة “معاً للإنقاذ” عليها أن تنفض عنها غُبار فساد الطاقة وتُعيد التواصل مع الصناديق العربية بشفافية وصدق ولا سيما أن المبادرات التي طرأت مؤخرا على أهميتها، لكنها ليست مستدامة ولا جذرية ولا تشمل بناء أو إعادة تشغيل معامل الطاقة التي ينهشها الصدأ بفعل سياسة استقدام البواخر التي لم تنتج إلا العتمة ومنطق التسليف من المصرف المركزي المُفلس الذي لا يزال يُجبَر على اعطاء سلف خزينة بملايين الدولارات لتشغيل قطاع يتخطى الإهدار فيه ما نسبته 50% وتأكله العتمة التي قتلت المواطنين مجازياً وحقيقياً.

شارك المقال