تفلّت الحدود اللبنانية – السورية: العيْن على تجارة البشر و”داعش”!

إسراء ديب
إسراء ديب

تنشط عمليات تهريب الأفراد والعائلات من لبنان إلى سوريا وبالعكس في الفترة الأخيرة بشكلٍ كبير، إذْ تراجعت بوضوح عمليات تهريب الوقود أو البضائع الثمينة التي لاقت معارضة شديدة في الأشهر القليلة الماضية، لكن في المقابل تستمر عمليات التهريب عند الحدود اللبنانية المفتوحة والسائبة، مما يُشير إلى خطورة الوضع ولا سيما مع الحديث عن وجود عمليات انتقال لعددٍ من الشبان الشماليين إلى العراق، وعدم وضوح طريقهم أمنيا وعسكريا وكيفية وصولهم إلى تلك الأراضي بدقّة.

يُمكن القول انّ أكثر المنتقلين إلى سوريا أو العائدين منها إلى لبنان، هم من اللاجئين السوريين “الذين يرغبون في الانتقال خلسة إلى بلادهم لأسباب رئيسية تعود إمّا إلى عدم صحة أوراقهم الرسمية أيّ أنّ مكوثهم في لبنان يبقى غير شرعي قانونيا لعدم تجديدهم الأوراق، أو نظرا الى عدم التحاق أبنائهم بالعسكرية السورية (التجنيد)، مما يدفعهم إلى التعامل مع مهرّبين من وادي خالد لايصالهم عبر المعابر غير الشرعية إلى سوريا لقاء بدلٍ ماليّ بالدولار”، حسب أحد المتابعين لهذا الملف في وادي خالد لـ “لبنان الكبير”.

تغطية سياسية معروفة 

استفادت عائلات كثيرة من وادي خالد (وغيرها من المناطق أيضا)، من المعابر غير الشرعية، وهي لم تكن وليدة اللحظة بل هي أزمة مستمرّة منذ أعوام، لكن شكلها يتغيّر مع اختلاف الظروف التي يعيشها كلّ من لبنان وسوريا أيضا، فوادي خالد المهملة والتي يغيب عنها طيف الدّولة منذ أعوام، “تتخذ من التهريب مهنة قديمة – حديثة لها وتستخدم فيها وسائل نقلٍ تابعة لأبنائها، ولا تُدقّق بهويات المارة، فلا يهمّ أحد لا سيما من ينقل هؤلاء النّاس إلّا الحصول على بدل قد يصل إلى 100 دولار أميركيّ أو أكثر (حسب طبيعة النقل)”.

أمّا في سوريا، التي تُواجه غلاء معيشيا فاحشا وتعيش ظروفا أمنية وسياسية قاسية منذ العام 2011 مع شدّة الحرب، “لا تزال يقظة على هذه التحرّكات، في حين لا تُحرّك القوى الأمنية اللبنانية ساكنا بقياداتها وأجهزتها، مع العلم أنّها وبالاشتراك مع القوى السياسية تُدرك فعليا خطر هذه الآفة، ومنها ما يُغطيها بشكلٍ أو بآخر، وذلك بتعاون تجاريّ تتفق عليه شخصيات سياسية شمالا من الأحزاب والتيّارات المختلفة خدمة لمصالحها من دون أيّ تسوية واضحة واتفاق رسمي بين الطرفين السوري واللبناني، وبالتالي إنّ غياب العلاقات اللبنانية – السورية تدفع أطرافا من الدولتيْن إلى استغلال الثغر الأمنية”، وفق المتابع.

“داعش” ووادي خالد؟

يُؤكّد مصدر من وادي خالد أنّه من الصعب ضبط ظاهرة “تهريب البشر” في ظلّ تعدّد المعابر والمسارب وتحكّم المافيات بها وهي ناشطة طوال أيّام الأسبوع، وذلك بدءا من البحر وصولا إلى جبل الشيخ، مشيرا إلى وجود تعاون بين أفراد لبنانيين وسوريين على إتمام عملية التهريب في الداخل السوري.

وينفي المصدر لـ “لبنان الكبير”، وجود علاقة بيْن وادي خالد وانتقال أفراد طرابلسيين للالتحاق بـ”داعش” منها، ويقول: “هي لعبة سياسية قد تحدث، لكن وفق المعلومات فإنّ أحدا من الإرهابيين لم يمرّ في الآونة الأخيرة من منطقتنا شمالا، بل يُمكن أن يُسمح بالتواطؤ معهم من معابر أخرى، لكن في الفترة الأخيرة قد نتحدّث عن تهريب للبشر ليس إلّا لأسباب مختلفة، وبعض السلع العادية التي قد تأتي من سوريا إلى لبنان أيضا، لكنّها ليست ذات قيمة كبيرة، الا أنّ التجار اللبنانيين يبيعونها أضعافا مضاعفة داخل السوق اللبنانية، ونكرّر انها ليست بضاعة ثمينة كما كانت في السابق”.

ويوضح أنّ “الأسعار لدى المهرّبين تختلف بين البشر والبضائع، فانتقال البشر الذي يتمّ عبر الفانات أو الحافلات الصغيرة بسعر، والشاحنات التي تنقل البضائع تكون بسعر أكبر لتأمين حمايتها لأنّ نقلها يحتاج إلى دقة، وليس خافيا على أحد أنّ الاهتمام بهذه الأمور يأتي ضمن نطاق التجارة وأخذ المزيد من المكاسب”.

أمّا مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمّد صبلوح فيُؤكّد أنّ انتقال الشبان إلى العراق، كان من وادي خالد ومرّ بمناطق النفوذ السوريّ وصولا إلى العراق، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “لا وجود لمهرّب لا يتعاطى مع الأجهزة الأمنية كالمخبرين في كلّ من لبنان وسوريا. وقد أثار تصريح مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، الذي أعلن فيه أن العراق تلقّى معلوماتٍ من الجانب اللبناني تُفيد بوصول مجموعة من تنظيم داعش إلى العراق، غضبا عند الطرابلسيين لا سيما أهالي أولئك الشبان الذين فقدوا أبناءهم”.

ويُضيف صبلوح: “علامات استفهام تُحيط بهذه القضية، إذْ تمكّنت الأجهزة من مساعدة العراقيين وإمدادهم بالمعلومات وهنا تقول انّها لا تعرف شيئا ولا يتمّ إصدار رواية أمنية أبدا، كما كان من المفترض أن تقوم بإعداد محضر بعد غياب الشبان، ولكن حسب معطياتي فإنّ بعض الأهالي الذين أرادوا الإبلاغ عن ذلك، قالوا لهم لقد أبلغنا أنّ أولادكم توفوا، مما يُشير إلى أمرين إمّا إلى تآمر هذه الأجهزة أو أنّها تعلم لكنّها لا تتحدّث”.

وعن الشاب بكر سيف، يوضح صبلوح أنه بعد اختفائه “قدّم أهله بلاغ بحث وتحرّ، وبعد خمسة أيّام قيل لهم انّه موجود لدى الأمن العام وأحد العسكريين أكّد لهم أنّه موقوف بوثيقة اتصال، وبعد عشرين يوما ظهر ابنهم في فيديو وهو يبكي وظهرت عليه آثار الضرب وكان ينظر يمينا ويسارا ولم يفهم شيئا من حديث والده معه، مع العلم أنّ زفافه كان في الـ 25 من كانون الأوّل وأبلّغوا فيما بعد أنّه قتل في العراق، عدا عن شاب آخر تحدّثت والدته معه عبر الهاتف فكتب لها أحدهم: ابنك الداعشي مات!”.

في الواقع، وبعد معلومات تُشير إلى “توجه وفد أمنيّ لبناني برئاسة وزير الداخلية بسام مولوي مع مسؤولين في جهاز الأمن إلى العراق للاطّلاع على التحقيقات في ملف الإرهاب الذي تورط فيه لبنانيون”، وذلك بعد مشاركة لبنان بمعلوماته، ينتظر الطرابلسيون نتائج هذه التحقيقات كما ينتظرون الرواية الأمنية “اللبنانية” بفارغ الصبر، بعد أيّام وليال قضوها في بحرٍ من الشائعات و”القيل والقال”، وهي رواية ستُصارح اللبنانيين والشماليين من العراق!

شارك المقال