انتخابات لبنان عالمية أم محلية؟

محمد علي فرحات

تدور الاستعدادات للانتخابات النيابية في لبنان في مجالين متباعدين، الأول هو المغرق في محليته بحيث يبدو أننا نشهد انتخابات بلدية لا نيابية، والثاني هو الأفق الاقليمي والدولي كأننا أمام عملية مستمرة ومتفاقمة منذ بدايات الحرب الأهلية عام ١٩٧٥ والتي تتبدل أثوابها ورموزها لكنها تبقى أمينة للسؤال الأصلي: ضعف الوطنية اللبنانية أمام تحديات الداخل والاقليم والعالم.

من هنا الالتباس بل التناقض لدى الشعب اللبناني، بين كونه منفتحاً على الاقليم والعالم وكونه منكفئاً على ذاته في القرية أو في الحي المديني خائفاً على صورته من الاهتزاز. ومن هنا أيضاً تفاقم الحروب الصغيرة والكبيرة التي تدفع الى هجرات أخطر من تلك التي حدثت تباعاً منذ الحرب العالمية الأولى. ويجري ملء الفراغ بالسوريين الهاربين من وطنهم المحطم الى وطن يبدو بديلاً وأقل حطاماً.

شعب لبناني مذعور في الداخل وفي المهاجر، يمارس حياته يوماً بيوم، ولا يستطيع حكامه الفاقدو الصلاحية التخطيط لما يزيد عن سنة بل عن شهر بل عن أسبوع لدولتهم الخاضعة لمفاجآت لا يتوقعونها.

ولكن، يسجل للعملية الانتخابية بمرشحيها ولوائحها أنها شهادة على حس ديموقراطي لم يستطع الفساد المالي والسياسي والأخلاقي القضاء عليه. ويبدو الأمر واضحاً في معظم المحافظات والأقضية في الجبل وبيروت والبقاع والشمال، لكنه غامض ومختلف في الجنوب حيث أثبت التعامل المذعور مع مرشحين ولوائح خارج ثنائية “أمل” – “حزب الله” أن التنظيمين المهيمنين هناك لا يتحملان وجود المختلف وإن كان يراعي ثوابت السيادة الوطنية ومناهضة العدوانية الاسرائيلية المتحركة أو الكامنة. وما يبعث على الدهشة أن “الثنائية” تفرض نوعاً من حالة الطوارئ على السكان، وتبدو حساسيتها السلبية تجاه المختلف سياسياً عنها أشبه بمرض نفسي، إذ نراها تقتنع بما يشبه الايمان والتسليم بأن جنوب لبنان أرضاً وسكاناً هو ملك شرعي مسجل باسم “الثنائي”، وأن من يقول غير هذا القول انسان مشكوك بوطنيته ان لم يكن خائناً أو متآمراً. وفي هذا دلالة على شعور عميق بالفشل يجري التعبير عنه بالاستكبار والغاء الآخر. أليس عجيباً أن لا يطيق الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله وجود وحركة مرشحين للنيابة مثل رياض الأسعد وحسن خليل وبشرى الخليل وغيرهم؟ وماذا يضير رئيس البرلمان وقائد المقاومة الاسلامية أن يترشح هؤلاء ويدخلوا المنافسة على الوصول الى البرلمان المقبل؟ بل ان أي عاقل في الجنوب وفي سائر لبنان يعرف جيداً أن “الثنائي” يمكن أن يحظى بغالبية نواب الجنوب لكنه لا يستحق الاستئثار بمقاعد المحافظة النيابية كلها، وذلك لسبب موضوعي، فضلاً عن كونه سياسياً وأخلاقياً قبل أي شأن آخر.

الاستعدادات للانتخابات في سائر أنحاء لبنان طبيعية وليست حالة مرضية كما في الجنوب، ويسجل للبنانيين أنهم سيجرون انتخاباتهم في أسوأ الأوضاع من الناحية الاقتصادية وفي أسوأ الآفاق السياسية في الاقليم وفي صراعات القوى الكبرى على النفوذ في الوطن الصغير. ومع ذلك تجد حماسة وحلماً باستعادة الوطن من المجهول الى المعلوم، على الرغم من نزعة مغرقة في المحلية، ربما هرباً من السؤال عن العلاقة الضاغطة مع الجوار الجغرافي المعادي في حالة اسرائيل والملتبس في حالة سوريا. لا جواب على السؤال الذي يبدو من مسؤولية كبار في العالم يتهربون من هذه المسؤولية. ولكن هل يتهربون حقاً؟ هذا ما يردده الطاقم الحاكم المهترئ، لكن الواقع الذي تعلنه الدول المؤثرة في الاقليم وفي العالم أن فساد المجموعات المسيطرة على لبنان يبدو مقدماً على الأخطار والتحديات التي يواجهها شعب صدّق كلام حكامه ولا يزال يصدقه الى الآن، خصوصاً مع تنصل المسيطرين من المسؤولية وتصوير أنفسهم أبرياء أمام شعب ذكي تأخذه الطائفية الى البلاهة.

مع ذلك لا بد من تكرار التشديد على ايجابية حدوث الانتخابات النيابية في واقع مهارات المجموعات المسيطرة في التنسيق الضمني للامساك بالسلطة والخلاف العلني استجابة لارتباطاتها الخارجية المتناقضة. هذا يحدث بعدما حطم المسيطرون قواعد الدولة الجامعة واستولوا على حصص طوائفهم في الادارة العامة وحتى في ما تبقى من قطاع خاص هو مرتهن وليس خاصاً ابداً.

لا مجال لمرجعية حكومية للمواطن غير الطائفي وغير المرتهن، وقد صار للفساد جذور وتم قطع أشجار الحقيقة والخير في لبنان المنكوب. وحدها علامات الاعتراف بالتنوع على قاعدة الوطنية ما يبقي لبنان في الحد الأدنى من الحياة، ومن ذلك انتخابات ملتبسة لكنها في التعريف انتخابات ينتج عنها رابح وخاسر.

 

 

 

شارك المقال