صوت سيده!

علي نون
علي نون

خرج سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي من موسكو وراح الى دول عربية وفي جعبته تسويق نظرية عودة سوريا بشار الأسد الى الجامعة العربية… خرج لابساً ثوباً كان يلبسه أيام زمان… أيام ما قبل غزو قوات بلاده لأوكرانيا حيث الوزن الثقيل والدور المحوري والقدرة الأكيدة والنفوذ الواضح والذي زادت كارثة سوريا وضوحه ولوّنته بالأحمر القاني!

خرج ليقول إن العالم اليوم مهموم بكيفية اعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه وليس بالكارثة الأوكرانية! وإن موسكو هي نفسها قادرة على لعب دور في ذلك! والواقع هو أن لافروف معبّر أمين عن زعيمه فلاديمير بوتين، بل هو الأقدر على ترجمة أفكاره ورؤاه الى لغة عالمية يفهمها، أو يفترض أن يفهمها من لا يحكي لغة روسية! ولا يعيش تحت ظلال حاكم الكرملين. ولذا تراه، أي الرفيق لافروف، يدب الخطى بإتجاه السعي الى اعادة تعويم الأسد ونظامه فيما الدنيا كلها في مكان آخر نتيجة ما فعله بوتين في الدولة الجارة وما يمكن أن يفعله في جوار الجارة! وفي هذا، يمكن الظن بأن وزير خارجية بوتين يتقصد التهتك في حراكه الديبلوماسي، ويتقصد ازدراء المنطق والقفز الأرنبي فوق حقول الموت التي أعادت بلاده فتحها في أوروبا نفسها: يسعى باسم بلاده التي صارت معزولة ومقفلة ديبلوماسياً وسياسياً الى فك عزلة نظام الأسد! واعادة فتح الأبواب المغلقة في وجهه! ويسعى الى “تمتين” علاقات روسيا مع الدول التي زارها فيما هو وبلاده في حاجة أكيدة الى أي شيء يعيد ربط علاقاتهما بالعالم الطبيعي والملموس والمؤثر! وهو في ذلك تحديداً يبدو مجلياً وأستاذاً في مدرسة تحريفية تخريفية واحترافية بالكامل. ومنها نهل بوتين القول قبل يومين انه ذهب الى أوكرانيا لأن الغرب كان في صدد مهاجمة روسيا. هكذا بالحرف! ومنها نهل وينهل بشار الأسد القول بأنه حمى سوريا وأنقذ شعبها! ومنها ينهل نظام ايران القول بأنه حريص “أشد الحرص” على أمن المنطقة العربية الاسلامية واستقرارها ورخاء شعوبها!

لافروف ذهب أبعد من زعيمه في مرات كثيرة: حكى بوتين عن ردود صاعقة ماحقة على من يعترض طريقه الأوكراني لكن لافروف فسّر وقال وكرر القول إن السلاح النووي يجب أن لا يكون موضوعاً على الطاولة كاحتمال لكن كل شيء ممكن! وبوتين حكى عن “الحكم النازي” في كييف لكن لافروف راح الى “أصول” هتلر اليهودية رداً على من ذكره بأن زيلينسكي يهودي! وهكذا دواليك في كل موقف وخطاب وقرار يخرج من الكرملين ويحتاج الى ترجمة فورية!

وأتذكر بالمناسبة، أن لافروف هذا التقى في بدايات الثورة السورية، وفداً من وزراء خارجية خليجيين، وكان عنوان اللقاء الوحيد هو الوضع السوري في ضوء المذبحة التي يرتكبها نظام الأسد… ولم يتردد يومها في إبلاغ ذلك الوفد حرفياً “أن سوريا يجب أن لا تحكم بشخص سني المذهب”. وكأنه كان يحكي داخل الحلقة المقفلة لأصحاب القرار في الكرملين الذين اختاروا الشراكة مع حلف أقليات يضم إسرائيل في وجه المجموع العربي، وليس أمام وفد وزاري خليجي راح الى موسكو بحثاً عن طريقة مثلى لوقف المذبحة من دون أن يطرح شيئاً عن “مذهب” الحاكم السوري ولا عن طائفته ولا حتى عن سيرته الحزبية… وذلك لأن القضية كانت ولا تزال هي ارتكابات النظام الأسدي وليس مذهب قيادته! ولا خلفيته الفكرية! ولا طريقة عيشه وهواياته!

لكن الخطورة ليست في الوقاحة الديبلوماسية (والمصطلحان نقيضان) بل في الوقاحة السياسية المنفلتة التي تأخذ العالم برمته الى زوايا مظلمة واحتمالات مفتوحة على الأسوأ وتحاول تبرير العدوان والارتداد الى زمن الغزوات والاجتياحات والحروب العسكرية، من خلال لبس ثوب الضحية وتلبس دور المظلوم!لافروف صوت سيده. هو يشطح بالحكي وذاك يشطح بالقرار. والاثنان يدلان على خلاصة واحدة: كارثة تهدد البشرية جمعاء!

شارك المقال