خطوة بنكهة سياسية ودينية تبعث الأمل في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

بمصافحة الأيدي ورفعها عالياً، اجتمع بعض نواب طرابلس المنتخبين في مسجد السلام الذي شهد أعنف تفجيرٍ أسفر عن سقوط ضحايا وجرحى في العام 2013، في وقتٍ تحتدم فيه النقاشات السياسية محلياً وإقليمياً حول ضرورة نزع السلاح غير الشرعي و”بتر” يد الأحزاب التي تُحاول زج لبنان في صراعات لا تُشبهه ولا تمتّ إلى هويته بصلة.

وبعد أداء النواب المنتخبين عن طرابلس وهم: أشرف ريفي، كريم كبارة، رامي فنج وايهاب مطر، صلاة الجمعة في مسجد السلام بدعوة من إمام المسجد الشيخ بلال بارودي، يُمكن القول إنّ خطوة هذا الشيخ تلفت إلى رسائل عدّة سياسية ودينية أرادت القوى المشاركة إيصالها خاصّة بعد انتهاء الانتخابات النيابية والتحدّيات السياسية المقبلة، لا سيما تلك المرتبطة بضرورة نزع سلاح “حزب الله”، الأمر الذي يراه بعض المناصرين له، دعوة صريحة إلى “تكريس مبدأ العمالة والخيانة الوطنية العليا”.

وشدد بارودي على ضرورة توحيد الكلمة لما فيه مصلحة طرابلس وأهلها، خصوصاً رفع الحرمان عنها وتنفيذ المشاريع الحيوية والانمائية لها. فيما قال ريفي: “نحن المقاومة الأساسية في البلد، الفريق الآخر يدّعي المقاومة وهو بعيد كلّ البعد عن ذلك، ونقول له أيّ سلاح غير شرعي في لبنان هو سلاح ميليشيويّ، وبوجوده لا يُمكن أن ينطلق هذا البلد على الصعد كافة أو أنْ يخرج من أزمته التي يعانيها”. بدوره، أكد كبارة “أننا سنضع أيادينا مع بعضنا البعض وسنعمل كفريق واحد لمصلحة هذه المدينة وأهلها”. ومن جهته، اغتنم مطر وجوده في مسجد السلام ليتوجه إلى الجهات الأمنية المعنية بمتابعة ملف تفجير مسجديّ السلام والتقوى، بضرورة توقيف كل المتورطين.

رسالة الاجتماع

يُمكن القول إنّ هذا الاجتماع الذي قد يُفضي إلى نتيجة فعلية أم لا، تمكّن من جمع نواب طرابلس المختلفين (سواء من جهة السياسة المتبعة أو الرؤية السياسية)، لكنّه اجتماع يحمل رسالة مهمّة “توحد الأهداف وتحظى بمباركة طرابلسية” لا يُمكن الإغفال عنها حرفياً، فإذا كان ريفي وكبارة ينتميان إلى الطبقة السياسية التقليدية كلّ من جهته وتوجهاته (مع اختلاف الخبرة على اعتبار أنّ كبارة لا يزال جديداً على الساحة السياسية)، فإنّ مطر وفنج هما من الوجوه التغييرية والثورية الجديدة، لكنّهم اختاروا وتحت عباءة “سنية” وفي مسجدٍ يحمل رمزية مهمّة طرابلسياً، الاجتماع في مناسبة دينية تحدّثوا فيها عن ملفات محلّية يتفقون عليها من حيث المبدأ، ما يلفت إلى تغيّرات واضحة في موقف النواب من طرابلس التي أهملوها لأعوام، اذ أن من سبقوهم كانوا “نادراً” ما يجتمعون للحديث عن طرابلس، في تقصير واضح بحقّ مدينتهم وقضاياها التي “ناموا” عليها. واليوم يُقرّر النواب الجدد غداة انتهاء الاستحقاق الانتخابي في مشهدٍ لم يسبق لنا أن شهدناه خاصّة في هذه المرحلة الوطنية الحرجة، الاجتماع “على اختلافهم” للتطرّق إلى ملفات جامعة قد يُحدث توحدهم عليها “خرقاً” واضحاً لكلّ من يسعى إلى كسر طرابلس التي تلفت مرجعيات محلّية عدّة، إلى أنّها كانت ولا تزال معرّضة لمؤامرات تضرب الاستقرار الأمنيّ المهزوز فيها “أساساً”.

وقد تُحذّر شخصيات طرابلسية من هذا الاجتماع، بوجود شخصية ذات خبرة سياسية وأمنية كريفي مع سياسيين جدد لا يمتلكون أيّ خبرة في العمل السياسي، ولكن يتجه آخرون “بالسواد الأعظم” منهم إلى مناصرة هذا اللقاء الذي قد يُشكّل “إنْ نجح” جبهة قوية لصدّ خطط تهدم المدينة. الا أن الأكيد وفق المعطيات أن اجتماع النواب لن يفضي الى تشكيل كتلة، بل سيبقى محصوراً في اطاره المحلي بعنوان مصلحة طرابلس.

ولا يُمكن تخطّي فكرة غياب النائب المنتخب طه ناجي (لائحة الإرادة الشعبية – فيصل كرامي) عن الاجتماع، إذْ يربط مراقبون هذا الغياب بخسارة النائب السابق فيصل كرامي وعدم اقتناعه بالنتيجة التي جاءت صادمة و”مدوية” عند إعلان لحظة سقوطه أمام دخول تغييريين جدد داخل المحور الطرابلسي الذي تحكّمت به عائلات سياسية تراجعت حدّة نفوذها مع تراجع إنجازاتها بوضوح، فيما تعرّض ناجي لسلسلة من التعليقات لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي والتي رآها البعض “فتنوية” بعد غيابه عن اجتماع “سنّة” طرابلس الذي لم يضم النائب المنتخب عن المقعد العلوي فراس سلوم مثلاً، ما يُشير إلى وجود ثغرة ما، تلفت إلى عدم اتفاق ناجي مع توجهات المجتمعين الرافضين للسلاح غير الشرعي وحزبه الذي يُناصره محور “ناجي ورفاقه” شمالاً، وبالتالي لم يكن ناجي مختفياً عن الساحة، إذْ أصدر يوم الجمعة وبالتوازي مع الاجتماع بياناً طالب فيه الحكومة بـ “تسريع ملف انتشال شهداء زورق الموت الذين ينتظرهم أهلهم وأحباؤهم ليقوموا بواجبهم تجاههم وعمل ما يليق بهم…”.

وكان آخر اجتماع للنواب الطرابلسيين عقد منذ أشهر وتحديداً في آب 2021، في “سابقة” سياسية أثارت جدلاً إعلامياً، لكنّها لم تُحدث ضجة ميدانياً، إذْ وضعت حينها بعض المقترحات لحلّ بعض الملفات، لكنّها لم تتحوّل إلى خطة تنفيذية بخطوات محدّدة بحسب ما كانت تتوقع مرجعيات طرابلسية، بحيث أن بعض التحركات (لا سيما المرتبطة بالملف الأمني) تستمر لأيّام أو لساعات محدّدة، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها. وحضر هذا الاجتماع: رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، نقولا نحاس، علي درويش، سمير الجسر، محمّد عبد اللطيف كبّارة وفيصل كرامي، في مكتب ميقاتي في بيروت.

وتناول الاجتماع في شقّه الأوّل الوضع الأمنيّ، مع ضرورة عقد اجتماع دوري لمجلس الأمن الفرعي بشكل أسبوعيّ للحدّ من أيّ خلل أمني قبل تفاقمه، وهذا ما لم يحدث في وقتٍ انشغل ميقاتي بالشؤون الحكومية ونواب آخرون بالاستحقاق النيابي، وكان آخر اجتماع يضم قوى طرابلسية لم تهتم يوماً بالمدينة بقدر اهتمامها بنفوذها السياسيّ أو الإداري.

شارك المقال