الطاقة، الصين، الدول الاسكندنافية

بندر بن عبدالله

إذا كان لديك ما تحتاج في إكمال ما تريد، هل هذا كاف لتعمل ما تريد؟ إذا كان غيرك يملك ما تريد هل من الكياسة أن تتعامل معه لتصل إلى ما تريد؟

استقبل سلام ظهراً صاحبه في المطار وذهبا الى وليمة الغداء التي أعدها لهما صديق آخر. بينما هما في الطريق، سأل سلام صديقة عن رحلته، فأجابه: “قبل أن أجيبك لدي سؤال، لماذا الأخبار خاصة المتلفزة منها تبدي لك أن مناطق النزاع أكثر نزاعاً مما هو حاصل؟ أتيت من أوروبا ولم أشاهد ما كانت أشاهده في التلفاز!”. رد سلام عليه: “وجهة نظر سليمة، وهذا ما هو حاصل، لكن لو تمعنت لوجدت أن وكالات الأنباء المعروفة تظهر لك ما لم تشاهده أو ما يريدونك أن تشاهده! لذا نجد الاختلاف!”.

وصل سلام وصاحبه الى بيت المضيف، الذي رحب بهما وأدخلهما الى داره حيث بدأ الأصدقاء الذين سبقوهما بحمد الله على سلامة وصول صديقهم من أوروبا.

بعد تناول القهوة والشاي وترحيب المضيف بالحضور، قال: “سمعت يا صديقي ما دار بينك وبين سلام وتساؤلاتك عن دور الإعلام في نقل الصورة عن مناطق النزاع!. أريد أن أضيف بعض المواضيع اليها لنستغل تجمعنا هذا للحديث عنها، أولاً: لماذا تريد أميركا تفكك أوبك وهي أعظم منتج للبترول؟. ثانياً: ما دخل الصين في حرب أوكرانيا ولديها ما يشغلها في تايوان؟. ثالثاً: لماذا قامت فنلندا والسويد بطلب الدخول في حلف الناتو؟”.

رد سلام: “اسمحوا لي أن أقول ما لدي اذ كان ذلك من الأمور التي شغلتني. لنبدأ بالموضوع الأول الذي ذكره المضيف، لا أحد يلوم أي دولة تعمل لصالحها وحل أمورها، أما عن تجييش أميركا لتفكيك أوبك فلا أرى أنها تحل أي مشكلة تصب في صالحها! والسبب هو أن أوبك منظمة أي أن هناك قواعد تنظم التعامل بين أعضائها وكذلك بينها وبين السوق البترولية، وتحويلها إلى غير منظمة ليست لها سيادة وذلك بواسطة المشروع الأميركي (نوبيك) لتكون عرضة لإقامة الدعاوى عليها من قبل المرافعين في المحاكم الأميركية فهذا بحد ذاته يقع في جعل سوق البترول في فوضى مستمرة! ويمكن أن تذهب الأسعار إلى ٣٠٠ دولار أو ما شابه ذلك كما بيّنه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان وأذكر ببعضه في الآتي: كل ما سأذكر من أرقام هي بين ١ مارس ٢٠٢١ إلى ١٣ مارس ٢٠٢٢، سعر المليون وحدة حرارية الإنجليزية للغار الطبيعي المسال تغير من ٥،٩ إلى ٢٣،٤ دولاراً أي بنسبة ٢٩٧٪؜، والغاز غير المسال في أميركا من ٢،٨ إلى ٧،٧ دولارات أي بنسبة ١٧٧٪، وكذلك الفحم سعر الطن المتري ؜من ٦٥،٥ إلى ٣١٨،٤ دولاراً أي بنسبة ٣٨٦٪؜، وتلك الأسعار في السوق غير المنتظمة! أما السوق المنتظمة مثل أوبك فقد ارتفع سعر برميل البترول في الفترة نفسها من ٦٣ إلى ١١١،٦ أي بنسبة ٧٥٪؜. هنا تتضح الفائدة في السوق المنتظمة كما هي في منظمة أوبك! أين مصلحة أميركا في جعل السوق من منتظمة إلى غير منتظمة؟”.

قال أحد الأصدقاء: “هذا كلام واضح، لماذا تفعل أميركا ذلك خاصةً أن هذا الوقت وقت متأزم؟”. وقال آخر: “إذاً الموضوع ليس موضوع خفض للأسعار بل هو موضوع سياسي! وهل هذا إشارة إلى نهج الإدارة الأميركية الحالية؟”.

تبسم سلام وقال: “نحن نعرف أن هناك اتفاقية تسمى (أوبك بلس) وهي بين منظمة أوبك بثلاث عشرة دولة وعشر دول أخرى من خارجها من بينها روسيا الاتحادية، وقد وقعت هذه الاتفاقية في الجزائر في شهر نوفمبر ٢٠١٦ للحد من تدهور الأسعار، ووافقت روسيا على خفض ٢٣٠ ألف برميل من إنتاجها اليومي فيما تحملت السعودية النسبة الكبرى في الخفض وصلت إلى ٥٠٠ ألف برميل يومياً. بعد ذلك في مارس ٢٠٢٠ اجتمعت دول (أوبك بلس) في فيينا عاصمة النمسا لتمديد خفض إمداد البترول الذي توصلت اليه في العام ٢٠١٩. وافقت على اقتراح السعودية ٢٢ دولة لخفض ١.٥ مليون يومياً ما عدا روسيا، وقال وزير طاقتها ألكسندر نوفاك للصحافيين ان لكل دولة الخيار في ضخ ما تريد من البترول! وكان ذلك بمثابة فشل الاتفاقية بين أوبك والدول الأخرى في ذلك الوقت، مما أدى إلى تدهور أسعار البترول، وتزامن ذلك مع انتشار فوضى الأسعار خلال جائحة كورونا!. أتى اجتماع أبريل ٢٠٢٠ الذي تم بطلب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بين منظمة أوبك وروسيا بسبب تضرر شركات كبيرة في أميركا خاصةً والعالم عامةً. وافقت السعودية وروسيا على ذلك وتم الاجتماع عن بعد (افتراضياً) في ٩ أبريل بين الدول المنتجة من أوبك وخارجها. طرح في الاجتماع خفض إنتاج البترول ١٠ ملايين برميل يومياً في شهري مايو ويونيو من العام ٢٠٢٠ على أن تتقلص هذه التخفيضات إلى ٨ ملايين برميل يومياً حتى نهاية العام ٢٠٢٠، ثم إلى ٦ ملايين برميل يومياً حتى أبريل العام ٢٠٢٢ ولكن كانت هناك مفاجأة! اعترضت المكسيك على معدل خفض الإنتاج حتى أُعلن في ١٢ إبريل عن إتمام ذلك الاتفاق التاريخي بعد تكفل أميركا بحصة المكسيك البالغة ٣٠٠ ألف برميل والتي اعترضت الأخيرة عليها”.

قال أحد الحاضرين: “هذه معلومات هامة، أريد أن أسمع عن ربطها بوقتنا الحاضر وما دخلها في طرح (نوبيك) من قبل الأميركان؟”.

هز رأسه سلام وقال: “كلامك في محله، أنظر معي، بعد هذا الاتفاق الشاق والتاريخي طلبت أميركا من السعودية نقض ما اتفق عليه بعد أن وقعت (أوبك بلس) على هذا الاتفاق. السعودية تحترم كلمتها ومن باب أولى تحترم كذلك اتفاقياتها الموقعة عليها! كيف تطلب من دولة تحترم نفسها أن تخل أو تلغي ذلك الاتفاق الذي أتى بطلب من أميركا في المقام الأول واتفقت عليه جميع دول (أوبك بلس)؟ حتى وإن كانت لها مصلحة مادية في إلغائه…”.

قاطع أحد الأصدقاء سلام بقوله: “الطاقة أصبحت مادةً مؤثرة في السلم والحرب ونحن الآن نعيش ذلك، ماذا لدى روسيا غير الطاقة خاصةً الغاز للمساومة عليه؟”.

رد سلام: “روسيا من المصدرين المهمين للطاقة، لكن لننظر الى ما لديها مما وهبها الله من معادن أخرى. تحتل روسيا المرتبة الثالثة في احتياطي الفحم الحجري ١،٥ مليار طن، الأولى في احتياطي الحديد ٢٦٤ مليار طن، الأولى في احتياطي الفضة ١٢٣ ألف طن، الثانية في احتياطي الذهب ٢٥ ألف طن، الثالثة في البلاتين ١٠ آلاف طن وغير ذلك، لذا لا نقلل من شأن روسيا بما تملك من موارد طبيعية”.

تابع سلام حديثه بعد أن تذوقوا القهوة والشاي بقوله: “لنذهب إلى بعض المسببات في طلب أميركا من السعودية والخليج رفع الإنتاج من البترول! وكذلك سنتطرق إلى الضغوط الأميركية من الكونغرس الأميركي لمحاولة تفكيك دول أوبك بواسطة قانون (نوبيك). السبب الجوهري هو ضخ كميات بترول كبيرة لإنهاك روسيا في حربها مع أوكرانيا وشرحت سابقاً عن التزام السعودية باتفاقياتها، أما الضغوط الأميركية فهي تتمثل في إصدار قانون (نوبيك) لرفع الحصانة عن سلعة البترول، لذا يكون في استطاعة أميركا أو أي مصدر فيها أن يقدم دعوى ضد أي دولة من أوبك في المحاكم الأميركية! الأمر المهم الذي لم يشرحه هذا النظام أن المحاكم الأميركية تطلب من رافع أي قضية أن يوضح وبكل دقة، على من ستقام الدعوى وما هي السلعة المراد معاقبتها وأسباب ذلك؟ لذا ومن باب المقاربة والتوضيح، ستقام دعوى على السعودية، والمحكمة سترد ذلك بعدم إقامة دعوى ضد بلد آخر إلا إذا كان ذلك من باب الأمن القومي، والسلعة البترول هنا، يجب تحديد ماذا تعني بالبترول هل المقصود (الثقيل أم المتوسط أم الخفيف ام مشتقاته وهي كثيرة…إلخ؟) والسبب هو ارتفاع الأسعار هنا؟، يأتي السؤال، لم لا تُلزِم الشركات الأميركية بخفض أسعارها؟ وهل هناك مشتق سعودي تستورده أميركا؟ لذا نرى صعوبة في تنفيذ هذا القانون!”.

قال المضيف: “الآن فهمت أكثر، لننتقل إلى الصين وما دخلها في حرب أوكرانيا؟”.

رد سلام: “هناك أسئلة يجب أن نتطرق اليها لنفهم علاقة الصين بحرب روسيا وأوكرانيا! أولها، هل الروس طلبوا من الصين المساعدة في تسليحها؟ الغرب قال ذلك والواقع ينفيه والسبب هو أن الصادرات الروسية تمثل ٢١٪؜ من صادرات العالم العسكرية وهي الثانية عالمياً بعد أميركا التي تمثل ٣٨٪؜، أما الصين فهي تمثل ٥٪؜ من الصادرات العسكرية، فكيف لروسيا أن تطلب من الصين ذلك؟ السؤال الثاني لماذا لا تريد أميركا أن تعاقب الصين على موقفها المحايد؟ الصين لديها علاقات اقتصادية متجذرة مع أميركا، وما قيمته تريليون دولار من السندات الأميركية، ولا ننسى أن الصين استوردت من (جنرال موتورز) ٧،٩٤٥ سيارة يومياً في سنة ٢٠٢١ أي ما مجموعه ٢،٩ مليون سيارة! الصين قبل ١٤ سنة عندما انهارت بعض الشركات العملاقة ومنها الشركات المالية والشركات المصنعة للسيارات، ساعدت مع دول من الشرق الأوسط أميركا في دفع ٧٠٠ مليار دولار لتنقذ تلك الشركات. لدى الصين ميزان تجاري ضخم مع أميركا وأوروبا يفوق كل منهما الـ ٥٠٠ مليار دولار سنوياً، وتعتبر الصين أكبر شريك اقتصادي لأميركا، لذا فرض أي عقوبة على الصين ستتضرر منها أميركا وأوروبا كثيراً!. السؤال الثالث هل تايوان هي محور اهتمام أميركا في عدم توسع نفوذ الصين؟ تايوان من النقاط الساخنة في الشرق بالنسبة الى أميركا، لكنها ليست الأهم! هناك من هي أهم اليابان وكوريا الجنوبية. كثير منا يعرف المصطلح العسكري (الصراع المجمّد) نجد ذلك متبلوراً بين الكوريتين وبين باكستان والهند في كشمير. كوريا الجنوبية تتجذر علاقاتها مع أميركا فيما كوريا الشمالية تتجذر علاقاتها مع الصين التي ورثت ذلك من روسيا. موقع اليابان وكوريا الجنوبية قريب من كوريا الشمالية والصين. تحركات الصين في الآونة الأخيرة لجزر سليمان في المحيط الهادي بعد التحالف الثلاثي (أميركا، إنجلترا، أستراليا) أثار حفيظة أميركا وأستراليا! وما زال التوتر قائماً، لذا الصين لديها تأثيرات كبيرة على مسرح الأحداث الحالية والغرب يحاول بكل الطرق أن يجتذبها أو يحيدها على الأقل، لذلك هي مهمة للغرب وروسيا في هذه الحرب”.

قال المضيف: “هناك سؤال واحد متبق قبل أن نتناول وجبة الغداء، ماذا عن دخول فنلندا والسويد في حلف الناتو؟”.

قال سلام: “هذا سؤال موفق وكلنا يجب أن نفكر فيه، لماذا فنلندا بعد خمسين سنة والسويد بعد قرنين من الزمن تطلبان ذلك؟! كانتا في موقع المحايد وكان قراراً صائباً خاصة للسويد في الحرب العالمية الأولى والثانية، ولم تتأثر السويد بفعل تلك الحروب مثل بقية البلدان التي دخلتها! لماذا طلبت الآن تغيير ذلك مع فنلندا؟ إنني لا أرى سبباً لذلك ما عدا أنهما إذا لم تفعلا ذلك فسيأتي عليهما ضرر كبير! والضرر لن يأتي عسكرياً وبسبب تجنبهما الحياد من قبل في ذلك، بل الضرر سيكون اقتصادياً! والدول الوحيدة التي لها تأثير اقتصادي على فنلندا والسويد هي الاتحاد الأوروبي! فلننظر، ذهبت ٧٠٪؜ من صادرات السويد إلى أوروبا الغربية في ٢٠١٩ وقد تأثرت بعد ذلك بسبب جائحة كورونا، كما أن فنلندا بلغت نسبة صادراتها إلى أوروبا الغربية ٦٠٪؜. ويدير الاتحاد الأوروبي تجارة فنلندا وهي الدولة الاسكندنافية الوحيدة التي عملتها هي اليورو!. السؤال ما هو حجم الضغوط الأوروبية على الدولتين؟ ولا أستبعد الضغوط الأميركية على أوروبا لفعل ذلك”.

أتى ولد المضيف ليقول لهم إن الطعام جاهز، فنهضوا جميعاً وحال تفكيرهم يقول: ألا يعتبر الناس من جائحة كورونا وتأثيرها السلبي، ليقوموا بادخال أنفسهم في حروب وهم أحوج الى أن يتعافوا مما ألمّ بهم؟

شارك المقال