لماذا حماس الكتل للانضمام إلى “المال والموازنة”؟

المحرر الاقتصادي

كان متوقعاً أن يكون انتخاب لجنة المال والموازنة النيابية تحديداً محور سجالات وخلافات في مجلس النواب أمس، وكان سبقه ترشح نواب “قوى التغيير” بمعزل عن التوافقات التي كانت تجري سابقاً على آلية توزيع الرئيس والمقرر مع مراعاة الكتل والطوائف والمذاهب، وبالتالي خوض المعركة على مستوى عضوية ورئاسة اللجان ومقرريها، وفق ما سبق وأعلن نواب “قوى التغيير” في بيان صادر عنهم.

ترشح 20 نائباً فيما لجنة المال والموازنة مؤلفة من 17 نائباً. ووقع سجال بين النائبين فراس حمدان وعلي حسن خليل حول آلية ترشحه إلى لجنة المال بعد إصرار حمدان على الترشح من دون أن يضع اسمه لدى الأمانة العامة. وقال حسن خليل لحمدان: “ما تقاطعني يا ابني”. فردّ حمدان: “أنا مش ابنك أنا زميلك”. واعترض على عدم وجود اسمه بين الأسماء المطبوعة ليعود رئيس مجلس النواب نبيه بري ويؤكد امكان اضافة أي اسم الى اللوائح بخط اليد.​

وأنتجت عملية فرز أصوات النواب التي استغرقت نحو ساعتين ونصف الساعة، انتخاب كل من: ابراهيم كنعان، راجي السعد، علي حسن خليل، أيوب حميد، آلان عون، جهاد الصمد، حسن فضل الله، غادة أيوب، جان طالوزيان، فؤاد مخزومي، علي فياض، غسان حاصباني، إبراهيم منيمنة، غازي زعيتر، سليم عون، إيهاب مطر وميشال معوّض. فيما سقط كل من فراس حمدان ومارك ضو بالتصويت. أي أن اللجنة تألفت من 3 نواب من تكتل “لبنان القوي”، و3 من كتلة “الجمهورية القوية”، و5 للثنائي الشيعي “أمل” و”حزب الله”، و6 نواب مستقلين وتغييريين.

ووفقاً لما تنص عليه المادة 23 من النظام الداخلي لمجلس النواب، يفترض أن تجتمع اللجنة بعد إنتخابها بثلاثة أيام على الأكثر بدعوة من رئيس المجلس وبرئاسته فتنتخب رئيساً ومقرراً بالاقتراع السري.

أما التصويت على المشاريع فيكون بالأكثرية، وإذا تساوت الأصوات اعتبر صوت الرئيس مرجحاً، وفقاً للمادة 36 من النظام الداخلي. وهو ما يحدد توجه اللجنة في إقرار المشاريع في المرحلة المقبلة.

ولكن لماذا الحماس للانضمام الى لجنة المال والموازنة؟

هذه اللجنة التي رشح نواب “قوى التغيير” النائب ضو لرئاستها في مواجهة النائب كنعان (الذي تولى رئاسة اللجنة لثلاث دورات متتالية) هي من سيرسم المسار الاقتصادي لمستقبل البلاد، إن في المحافظة على الهوية الاقتصادية الراهنة أو في نسفها واعتماد أخرى من خلال فرض وظيفة اقتصادية جديدة للبنان تزيد قوقعته وتبعده عن الخارطة المالية الدولية.

أمام هذه اللجنة اليوم كل المشاريع والاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي والتي ستمهد الطريق أمام حصول لبنان على قرض بقيمة 3 مليارات دولار مقسط على أربع سنوات. ومن صلاحياتها الأساسية على صعيد المالية العامة درس وإقرار مشاريع الموازنات التي ترسلها الحكومة الى المجلس النيابي. وكانت لجنة المال والموازنة السابقة أنهت درس مشروع قانون موازنة العام 2022 وأبقت بعض المواد العالقة بين الكتل لتبت بها الهيئة العامة. مع العلم أن الصندوق يعوّل على إقرار الموازنة للبدء باستعادة المساءلة المالية.

كما أمام هذه اللجنة درس التعديلات التي أدخلتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على قانون السرية المصرفية بطلب من صندوق النقد الدولي الذي أعلن في بيان عقب توقيع الاتفاق على مستوى الخبراء مع لبنان في نيسان الماضي أنه يجب على مجلس النواب “الموافقة على تعديل قانون السرية المصرفية لمواءمته مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد والإزالة الفاعلة للعقبات أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي والرقابة عليه، وإدارة الضرائب، وكذلك الكشف عن الجرائم المالية والتحقيق فيها، واسترداد الأصول”.

ويكون على اللجنة أن تدرس قانون الطوارئ لإعادة إحياء المصارف كي يستعيد القطاع المصرفي عافيته. وهي تعتبر الخطوة الأكثر تعقيداً لما تحمله من تحديات في ظلّ الخسائر الجمّة في القطاع المالي والتي تقدَّر بما يقارب 73 مليار دولار.

والأهم أن أمام لجنة المال والموازنة تحدي درس خطة التعافي المالي والاقتصادي التي تلقى اعتراضات واسعة من كل الكتل والأحزاب والمصارف خلافاً لما جاء في بيان الصندوق حين قال إن الحكومة أبلغته أن برنامجها الاصلاحي “يحظى بتأييد واسع النطاق من القيادة السياسية”. فهل ستنسف اللجنة الخطة الراهنة كما فعلت مع خطة حكومة حسان دياب أم ستعيد صياغتها بحيث تؤدي الى توزيع عادل للخسائر بعد الاعتراف بها وبما يضمن عدم تحميل المودعين ما يجب أن تتحمله الدولة؟ أم هل سيصار الى سحبها وإعادتها الى الحكومة المقبلة، في حال تشكلت قريباً، لاعادة النظر فيها والتعديل عليها؟

لائحة المشاريع التي ستوضع على طاولة لجنة المال والموازنة والتي يفترض على المجلس النيابي الجديد إقرارها، طويلة، ومنها إقرار مشروع قانون فرض قيود على التحويلات (الكابيتال كونترول)، الذي فشل المجلس السابق أو رفض إقراره علماً أن الحكومة تقدّمت به في نهاية آذار.

لكن المجلس النيابي لا يملك ترف الوقت، إذ يجب انجاز درس قوانين الاجراءات الأولية التي طلبها صندوق النقد الدولي بسرعة وإقرارها من الهيئة العامة قبل آب المقبل، وهو موعد دخول المجلس التنفيذي للصندوق في إجازته السنوية، وإلا سنضيع الفرصة مجدداً وسننتظر الى الخريف لنستعيد مفاوضاتنا مع الصندوق على أمل أن نوقع معه اتفاقاً نهائياً.

وكما بات معلوماً، لن يكون لبنان قادراً على الوقوف مجدداً من دون أن يأخذ الصندوق بيده، وهو ما سيسمح له باستعادة الثقة بجدية الحكومة في الاصلاح الاقتصادي، ويفتح الباب أمام استقرار اقتصادي نسبي ويكون مقدمة لعودة التدفقات المالية الى لبنان.

شارك المقال