موقع رئاسة الحكومة في مهب “العهد القوي”

محمد شمس الدين

أخيراً، دعا رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة، وصدر عن قصر بعبدا بيان بمواعيد النواب والكتل، التي ستحضر إلى القصر الجمهوري للاعلان عن مرشحها. وكان لافتاً أن بعض النواب يملك فقط 5 دقائق من الوقت مع الرئيس، أي سيدخل ويلقي التحية عليه ويسمّي مرشحه ثم يغادر، ربما لأننا نعيش في عصر السرعة، والمرة القادمة ربما تكون أسرع ويسمّي النواب مرشحهم عبر رسالة على الهاتف أو تطبيق “الواتساب”. ولكن بغض النظر عن كل ذلك، موقع رئاسة الحكومة تعرض للحصار، والتهميش، والتقليل من دوره منذ أن استلم “العهد القوي” البلاد… التأليف قبل التكليف كان عنواناً لكل الحكومات التي شكلت في عهد الرئيس عون، عدا عن تعطيل عمل الرئيس المكلف مرتين، مما أدى الى الاعتذار عن التشكيل، أولاً عندما كان مصطفى أديب مكلفاً تشكيلها، وثانياً عندما كلف الرئيس سعد الحريري من جديد، وعرقل عون تشكيل حكومته، حتى اعتذر عن المهمة، ليأتي الرئيس حسان دياب، الذي شهد عهده الحكومي “قوطبة” بعبدا على رئاسة الحكومة، وهو ما ضرب روحية اتفاق الطائف بأكملها.

في هذا السياق، أشار النائب محمد سليمان في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “عهد عون عمل منذ الأساس على التأليف قبل التكليف، وهذا يعتبر تطويقاً لموقع رئاسة الحكومة”، لكنه استطرد قائلاً: “بغض النظر عن الأداء السابق، نأمل أن تشكل حكومة في أسرع وقت ممكن من أجل البلد، ونحن سنشارك في الاستشارات النيابية، ولكن يجب عدم وضع العصي في الدواليب للرئيس المكلف”.

أما عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله، فرأى أن “التجاوزات لم تنحصر بموقع رئاسة الحكومة، اذ أن دستور الطائف بأكمله تعرض لهزات وتجاوزات في هذا العهد، وتم خلق أعراف وممارسات تتخطى الطائف، لإثبات أن دستوره لا يرضي العهد، وكلها تحت شعار العهد القوي، بينما البلد يحتاج إلى وطن قوي، ودولة قوية، لا إلى أشخاص أقوياء. قوة الشخص يجب أن تسخّر لمصالح الوطن والناس، وهذا ما لم نشهده من هذا العهد”.

النائب أحمد الخير فضّل عدم الغوص في الخلافات، معتبراً أن “الأمر الأهم اليوم، هو أن يحمل الجميع ذهنية التعاون، فالبلد لا يحتمل خلافات جديدة”. وأمل “أن يكون التعاطي في المرحلة المقبلة إيجابياً بين كل مؤسسات الدولة والرئاسات، فمصلحة البلد العامة في هذه المرحلة الصعبة، تقتضي أن يتعاون الجميع”.

بينما النائب حسن مراد رأى أن “النواب الـ 27 السنة الموجودين في البرلمان اليوم غير متفقين، وهم حتى لا يتحادثون في ما بينهم، ومن الطبيعي أن يستغل الآخرون الأمر، إلا أن الذنب لا يقع عليهم”، مشدداً على وجوب “التعالي عن الأمور الشخصية، والتوجه نحو ما ينقذ البلد، وفي ملف التشكيل يجب الابتعاد عن المحاصصة المعتادة، والعمل جدياً على خطة اقتصادية حقيقية، عبر فريق عمل حكومي جدي، وغير ذلك الله أعلم الى أين يمكن أن نصل”.

روحية اتفاق الطائف هي الوصول إلى دولة مدنية، تنهي ربط المواقع بالطوائف، ولكن للأسف فشل اللبنانيون في الوصول إلى هذا الحلم حتى اليوم. ومقارنة بالحقبات السابقة فقد أقدم عهد الرئيس عون على خرق كل الأعراف والقوانين المرعية الإجراء وفقاً لدستور الطائف، وتحديداً لجهة رئاسة الحكومة، ما ستكون له تبعات مستقبلية، لأنه يعتبر الموقع السني الأول في البلد. أما اليوم فنحن على أبواب تشكيل حكومة جديدة، وقد أعلن ولي العهد أنه يرفض المرشح الأوفر حظاً، أي الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يرفض الخضوع لأوامر الباب العالي، وتمرير مشاريعه في الطاقة، ولكن من المرجح أن يخضع لتسوية، تبقي وزارة الطاقة مسيطراً عليها من “التيار الوطني الحر”، وعندها كل الكلام عن حكومة إنقاذ تنتشل البلد سيسقط، حتى لو كان الرئيس المكلف شخصية أخرى، فستكون مجبرة على الرضوخ لاملاءات مفوض بعبدا السامي، وستضطر لإعطائه حصصه، وإلا الفراغ القاتل سيكون مصير البلد.

شارك المقال