كفى “مزاحاً” يا سيد

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لم يعد اللبنانيون يستغربون مواقف الأمين العام لــ “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي يجعل من لبنان ساحة صراع دولية، تلبي حاجة إيران الى خوض معاركها مع الشيطان الأكبر ودول الغرب بالواسطة وتحقيق أطماعها بالتوسع في الخليج وعلى شواطئ المتوسط.

لا يهتم السيد حسن لآلام اللبنانيين وأوجاعهم ولا لحالتهم المزرية التي يعيشونها بسبب تفكيكه الدولة والهيمنة على مؤسساتها، واعلاء شأن القتلة والمجرمين والفاسدين والسارقين والناهبين الذين يظللهم بعباءته ويحميهم بسلاحه. لا يهتم لأمر الناس بل يلعب بمصيرهم، ويعدهم بالحرب ويطالبهم بالموت بشرف فيها، فلا خيار لهم إلا الإنصياع الى جنون مرشد الجمهورية اللبنانية الذي يبيع الشعب اللبناني في سوق النخاسة، وكأنهم عبيد لوليه الفقيه.

يحاول نصر الله تصوير الخروج من الأزمة في لبنان بالحرب على اسرائيل، هذه المرة ليست بحجة خطف جنود لاطلاق أسرى لبنانيين، وإنما بحجة “كاريش”، لكأنه يبسط الأمور الى درجة كبيرة بالترويج لاستخدام القوة وإقناع جمهوره المسكين بأن النفط والغاز سيخرجان البلد من الجحيم الذي أوقعهم فيه مع حليفه الرئيس الصوري في القصر.

لم يعد ينطلي على اللبنانيين “مزاح” من هذا النوع، فهذا التصعيد بأوامر من إيران للتهويل بعد تعقد المفاوضات النووية، ولا يصب في مصلحة لبنان، فما الذي تغير بعدما كان السيد يقف مع الدولة في معالجة ترسيم الحدود البحرية، وبدا أنه وراء الدولة في خيار الخط 23؟ علماً أن اللبنانيين ضغطوا على المسؤولين من أجل اعتماد الخط 29 وعدم هدر الحقوق في ثروتهم، وجرى الحديث عن عودة مفاوضات الترسيم وطرح جبران باسيل معادلة للالتفاف على الخطأ “قانا مقابل كاريش”.

من جديد، يبدو أن نصر الله يريد التفرد بالقرارات ولا يعترف بالدولة، فهو من دولة أخرى ومصالحها أهم من لبنان، ولا يريد أن يكون شريكاً حقيقياً للبنانيين بل أن يجعلهم لقمة سائغة في صراع الدول الكبرى ومصالحها، وهو ينوي منذ زمن مكافحة الفساد عبر تخبئة ملفاته، وتغطية الفاسدين بسلاحه، الذي يدعي أنه لتحرير شبعا ولا يطالب حليفه السوري بالافراج عن الوثائق وتقديمها الى الأمم المتحدة، ويعتبر أنه سيحرر القدس والأقصى ويعدنا بما بعد حيفا لكنه يتآمر على عروبة لبنان وفلسطين، وهو يدعي اليوم أن أولويته الحفاظ على النفط والغاز اللبناني بينما يضع الدولة في أسر الملالي، علماً أنه ارتضى المساومة على حق لبنان في سوق المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة إكراماً لنابليون بعبدا لعل وعسى تأتي الثمار لمصلحة الصهر وتلغي العقوبات الأميركية بحقه.

يوماً بعد يوم يتأكد لكثير من اللبنانيين أن نصر الله وحزبه ليسا جزءاً من النسيج اللبناني ولا صنع في لبنان بل في إيران، فمن يعلي شأن مصالح ايران والنظام السوري وهو ما بدا واضحاً في كل سلوكياته سياسياً وعسكرياً، لا يمكن أن يكون لبنانياً، لا بل لا يخجل من كون ايران تدفع له الرواتب وتزوده بالسلاح، ومشروعه دولة اسلامية وهو جندي في ولاية الفقيه وحزبه وجد لتنفيذ مشروع اقليمي على حساب لبنان، واللبنانيون يدركون ذلك ويسعون الى التحرر منه ومن الفاسدين الذين يحميهم وتسببوا بالانهيار ونشر الفوضى وانعدام الأمن وسرقة الودائع وغياب الكهرباء وتحليق الدولار وانقطاع الدواء والمحروقات وحتى الخبز.

ثم كيف يعتبر نصر الله أن باب الخروج من الجحيم هو ثروته في النفط والغاز علماً أنه قال ان الاستخراج يحتاج الى سنوات؟! ما هذه المسرحية؟

ولماذا يتهرب من مسؤولية حزبه عن الانهيار الذي حصل عبر انشاء مؤسسات رديفة لمؤسسات الدولة ومن ثم الهيمنة عليها جميعها؟ أليس هو من أطلق حرب تموز وتسبب بدمار لبنان؟ أليس هو من أوصل الفاسدين، صبية النظام المخابراتي السوري الى مواقع السلطة لا سيما في وزارات أساسية تتعلق بالخدمات الحيوية وبحياة الناس؟ أليس هو من أفقد الثقة بالليرة اللبنانية وأقام نظاماً مصرفياً لحسابه؟ ألم يكن شريكاً في السلطة على مدى أكثر من 30 سنة وساهم في هدر الأموال وتغطية مشاريع الصهر الشاطر التي كلفت عشرات المليارات؟

من الواضح أن نصر الله حامي الطبقة الفاسدة في السلطة يدرك أنه سيكون الشريك في سرقة عائدات النفط والغاز، وقد أعدوا العدة عبر الشركات، ولذلك لا يحرك ساكناً في الكشف عن المستور في هذا الموضوع.

تجمع آراء الكثير من الخبراء على أن لبنان يمكن له التعافي من أزمته وتجاوز واقعه المرير، فهو ليس بلداً فقيراً ولديه امكانات مالية ويكفي استرداد أمواله المنهوبة حتى تتحرك العجلة، وعندما يتوقف نصر الله وحزبه عن الاستعراضات والتهديدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

من يريد أن يجعل لقمة اللبنانيين أسيرة ما يسمى “توازن الرعب” مع العدو فليسمح لنا، ما من جائع يستطيع أن يحارب، ومن كان يقصد من وراء سياسات تجويع اللبنانيين وصانعها الاستسلام لأهواء السيد ومرشده فانه يخطئ في الحسابات، وان كانت الولايات المتحدة تبتز الحكم اللبناني الحالي وصانعه في الضاحية الجنوبية وتستغل فساد الفاسدين في السلطة لـتأمين مصلحة اسرائيل، فإن الحل لا يكون بالهروب الى الأمام، بل بالمواجهة في معاقبة ومحاكمة المجرمين الذين تسببوا بانهيار الاقتصاد اللبناني، وعبر حفظ سيادة لبنان وتأكيد استقلالية قراره وجعل مهمة الحفاظ على أرضه وحقوقه حكراً على جيش الدولة ومؤسساتها الأمنية.

محاربة العدو لا تكون بسياسات تدمر لبنان وعنتريات وسفسطة كلام ومغامرات على نسق “لو كنت أعلم”، بل بسياسات تحميه من عدوان مدمر وتجعله بلداً منافساً في التقدم والحريات والنمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي وتأمين مقومات ازدهاره، وعليه لا بد من القول للسيد “كفى عنتريات”، لبنان للبنانيين وليس ورقة بيد أحد، واللبنانيون قادرون على إستعادة قرارهم وحفظ عروبتهم ويعرفون من هم أصدقاؤه ومن هم أعداؤه ولن يكون ضحية الصراعات السياسية – النفطية العالمية وفي المنطقة.

شارك المقال