نهاية البداية الخادعة

هدى علاء الدين

يستعدّ لبنان لمرحلة مفصلية مع قرب انتهاء العهد الرئاسي والبدء بالتحضير لعهد جديد يُحاكي تطلعات اللبنانيين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث يدخل بعد ساعات قليلة المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد لا تزال هويته غامضة حتى الآن. ووسط تخوف متزايد من احتمال الغرق في فراغ رئاسي أسوة بالفراغ الحكومي في ظل استحالة ولادة حكومة نجيب ميقاتي المتعثرة منذ زمن التكليف وازدياد العوامل الضاغطة محلياً ودولياً، تكثر الاستحقاقات الاقتصادية والإصلاحات الضرورية التي تُلزم لبنان الرسمي القيام بها.

وعلى الرغم من المعرفة المسبقة بمدى أهمية إجراء هذه الاصلاحات (منذ مؤتمر سيدر)، خصوصاً وأنها كانت ستُسهم بصورة مباشرة في التخفيف من حدة الأزمة وفي المحافظة على الثقة العربية والأجنبية بالأسواق المالية وعلى ثقة اللبنانيين بقطاعهم المصرفي، إلا أنّ لبنان أضاع من جديد ثلاث سنوات من مسيرة إصلاحية لو أراد لها النجاح لكانت منعت حدوث هذا الانهيار وجنّبت مواطنيه تكلفته الباهظة. فالصورة القاتمة التي شهدتها القطاعات كافة، والسوق الموازية التي طغى حضورها على السوق الرسمية، وتقلص احتياطي المصرف المركزي الذي كان المموّل الرئيس لخزينة الدولة، والفشل في وضع خطة اقتصادية وموازنة عامة قابلة للتنفيذ وغيرها من عناصر الانهيار الاقتصادي، ستبقى في ذاكرة اللبنانيين إلى حين انقضاء هذا العهد وربما أكثر.

عناوين اقتصادية بالغة الأهمية رُحّلت منذ أشهر طويلة بحجة إجراء الانتخابات النيابية، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة، واليوم باتت تنتظر رئيساً جديداً للجمهورية. ومع إطالة فترة هذا الترحيل، تزداد حالة الفوضى وعدم اليقين، بحيث نتجت عن القرارات المتخذة على المدى القصير تداعيات كارثية على المدى الطويل أسهمت في المزيد من الانهيار. ومع عجز حكومتي السنوات الثلاث الأخيرة وتعرّضهما للانتقادات الشديدة بسبب قراراتهما المناهضة للإصلاح بأنواعه كافة وللإنعاش الاقتصادي، تراكمت العيوب المالية وتحوّل اقتصاد لبنان إلى اقتصاد نقدي في ظلّ حالة عدم اليقين مصحوباً بانخفاض هائل في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع غير مسبوق في معدّلات التضخم، مع تخوف من وضع لبنان على قائمة الدول المتهمة بغسل الأموال Financial Action Task Force (FATF) بعد هذا التحوّل الجذري من النظام المصرفي إلى الـ Cash Money. أما عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فيبدو أن الاتفاق المبدئي لن يكون صالحاً لاستكمالها إن طال أمد استئنافها، لتصبح بذلك بنودها كافة محط دراسة من جديد مع توسع دائرة الخسائر المالية وعدم إقرار قانون “الكابيتال كونترول” وتوحيد سعر الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي التي ستكون إرثاً ثقيلاً على حامليها في الفترة المقبلة.

ومع معاودة مصرف لبنان تقليص نسبة الدعم على البنزين بمعدّل 60 في المئة على أساس دولار السوق الموازية و40 في المئة على أساس سعر دولار منصة “صيرفة”، يسلك رفع الدّعم النهائي عن المحروقات خطواته الأخيرة لا سيما بعد وصول احتياطي المصرف المركزي إلى عتبة الـ 10 مليارات دولار، في حين سيكون للدولار ولقدرة مصرف لبنان على الاستمرار في تدخله للجم سعر الصرف كلّما دعت الحاجة، الكلمة الفصل إلى حين انجلاء صورة جديدة لعهد لبنان القادم. أما عن الاستمرار في منصة “صيرفة”، فسيكون مصيره أيضاً رهن ما ستحمله الأيام من مفاجآت وتطورات على الساحة السياسية، إذ لم يعد خافياً مدى تحكمّها بكل مفصل اقتصادي أو مالي.

لم ولن تختلف آخر أيام العهد عن سابقاتها، فنهايته أسقطت رهانات بدايته الخادعة. وعليه، سيكون لبنان في الأسابيع القليلة المقبلة أمام رزمة جديدة من الامتحانات الصعبة أخفق مرات ومرات في اجتيازها جراء تقدم القرار السياسي بالانهيار على القرار الاقتصادي بالإصلاح.

شارك المقال