الدولرة تحتل السوق… والدولار السياحي أفاد التجار لا الخزينة

محمد شمس الدين

تفلت سعر صرف الدولار منذ مدة، تارة صعوداً وتارة نزولاً، تسبب بفوضى في غالبية الأسواق اللبنانية، حيث الْأَسْعَار تتبدل من ساعة إلى أخرى، ولا يبدو أنه سيستقر في المدى المنظور. الأسباب متعددة، والحلول تبدو بعيدة، مما أدى إلى تسعير أكثرية السلع والخدمات بالدولار، وتحديداً المرتبطة بصورة مباشرة بأسعار المحروقات، مثل مولدات الكهرباء، التي اتجه كل أصحابها تقريباً إلى تسعير الفاتورة بالدولار هذا الشهر، ورفضوا أن يتقاضوها بالليرة وفقاً لسعر السوق السوداء، بل طالبوا بأن يدفع المواطنون بالدولار، مهددين بقطع خطوط من لا يدفع. هذا الأمر انسحب على غالبية السلع في السوق اللبنانية، مؤسسات عديدة لا تقبل العملة المحلية، بل تريد دولاراً، حتى أن منظمي الرحلات السياحية لا يقبلون الدفع بالليرة، بل بالدولار، ولكن كل هذه الدولرة، مخالفة للقانون اللبناني، بل هي تضرب بصورة واضحة العملة الوطنية، وهذا لا يحصل في أي بلد في العالم، فأين الدولة؟ وأين الرقابة؟ من المسؤول، وزارة المالية، أم الاقتصاد؟ وكيف يمكن ضبط الدولار؟ وماذا حل بالدولار الذي دخل في الموسم السياحي؟

مصادر اقتصادية مطلعة أشارت في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الدولار الذي دخل إلى البلد في الفترة السياحية، غالبيته لم تصل إلى خزينة الدولة، في ظل غياب الجباية الضرائبية، بل ان الجباية تكون فعلياً بالليرة اللبنانية، لذلك فإن هذا الدولار السياحي، استفاد منه التجار وأصحاب المؤسسات، الذين يمتلكون وسائل خاصة لتهريبه إلى حساباتهم في الخارج، وأكبر دليل على ذلك هو استمرار نزيف الاحتياطي الإلزامي للدولار في المصرف المركزي، الذي انحدر إلى تحت الـ10 مليارات دولار، وهذا يعني أن الدولار المطلوب من أجل الاستيراد، يأتي من مصرف لبنان، وهو لم يستطع امتصاص الدولار السياحي الذي دخل إلى البلد”.

أما عن دولرة الأسعار، وإن كانت الدولة تغض النظر عن هذه المخالفة القانونية، فأكد مصدر رفيع في وزارة الاقتصاد لـ”لبنان الكبير”، أن “الأمر ليس فعلياً غض نظر من الدولة، ولكن المراقبين إن كان في وزارة الاقتصاد أو المالية، هم جزء من القطاع العام المضرب عن العمل، وبالتالي هناك تفلت في الأسواق اللبنانية من دون حسيب أو رقيب”، لافتاً الى أن “مشكلة لبنان عموماً هي أن 80% من حاجياته مستوردة، وكنا في وزارة الاقتصاد قد ضبطنا الأسعار وراقبناها عندما كان الدولار شبه مستقر على سعر صرف 20 ألف ليرة، ولكن اليوم مع تفلت سعر الصرف، وإضراب القطاع العام، غابت الدولة، وبالتالي التجار وأصحاب المؤسسات يستغلون هذا الأمر، وعلى الرغم من أنه غير قانوني، ولكن هذا ما يحصل عندما تسود شريعة الغاب”.

وسأل المصدر: “كيف يمكن أن ينزل المراقب في وزارة الاقتصاد إلى عمله ومعاشه لا يتخطى المليون و800 ألف ليرة، بينما سعر صفيحة البنزين هو 700 ألف ليرة؟”، موضحاً “أننا في الوزارة نحاول قدر استطاعتنا، فقمنا بجولة على أصحاب المولدات، وتبين أن جميعهم مخالفون، سطرنا محاضر ضبط، ولكن لا يوجد قضاء ليستقبلها، وعندما طالبنا البلديات بمساعدتنا رفضت، فهي على أبواب انتخابات، ولا تريد إثارة غضب العائلات والأحزاب”.

عندما يتم حل ملف مشكلة القطاع العام، تعود المراقبة، على الرغم من أن الموظفين عددهم قليل، ولكن يمكن توزيعهم على المناطق، وهذا الأمر قد يدفع أصحاب المؤسسات إلى التفكير مرتين قبل مخالفة القانون، بحسب ما قال المصدر، معتبراً أن “هيبة الدولة المفقودة اليوم، كافية لأن تعيد ضبط السوق، وكان يجب على الحكومة أن تتشكل لتعالج كل الملفات ومن بينها الملف الاقتصادي والأسعار”.

اما الخبير المالي الاقتصادي عماد عكوش فرأى أن التفلت في الدولار اليوم مرده إلى عدم اتخاذ القرارات من الحكومة، وكذلك عدم إقرار القوانين من المجلس النيابي، لافتاً الى أن “المساعدات التي تقرها الحكومة للقطاع العام من دون تأمين الإيرادات لها، تؤدي إلى التفلت، لأن الكتلة النقدية بالليرة تكبر نتيجة هذه الزيادات، بينما لا توجد إيرادات، والموازنة في عجز دائم ومستمر، والقطاع المصرفي مشلول لا يعمل، حتى أن التحويلات من الخارج، في غالبيتها تمر عبر شركات تحويل الأموال، لا المصارف، وهذا خطأ كبير، كل هذه العوامل إضافة إلى عدم تشكيل حكومة، تتراكم لتوصل إلى هذه النتيجة من التفلت اليوم”.

أما عن الحلول، فأشار عكوش الى أن “لا حلول ظاهرة في الأفق، ولكن يمكن للسلطة التنفيذية الحد من هذا التفلت عبر إقرار الدولار الجمركي، بحيث أنها تزيد إيرادات الدولة، مما يجعلها قادرة على تغطية الإيرادات”. وبالنسبة الى تأثير الدولار الجمركي على الأسعار، أوضح أن “التفلت في الْأَسْعَارِ الحاصل اليوم مرده سببان: أولاً غياب المنافسة، على الرغم من إقرار قانون المنافسة إلا أنه لم يطبق بصورة صحيحة. ثانياً، غياب الرقابة بسبب إقفال القطاع العام. لذلك إذا أقرينا الدولار الجمركي، يعود القطاع العام إلى العمل، وتعود الرقابة، مما يحد من استغلال التجار لإقرار الدولار الجمركي وتضبط الأسعار”.

أما عن المنافسة، فشدد عكوش على “تطبيق القانون المقر، ووجوب أن تفتح الدولة السوق أمام المنافسين كي لا يستمر المحتكرون في التحكم بالأسعار، بل يمكن لوزارة الاقتصاد إنشاء شبكة تواصل مع المؤسسات من أجل نشر الأسعار يومياً على موقعها الالكتروني، ووسائل الإعلام، مما يمنع تلاعب التجار بالأسعار، ولكن يجب أن تكون هناك إرادة قبل أي شيء، لا أن يكون مصير البلد هو الفراغ غير الدستوري المرتقب”.

قد يظن اللبنانيون أنهم يعيشون في ظل شريعة الغاب، ولكن حتى في الغابة هناك قوانين أفضل من الحال في لبنان، فتجد فيها الألفا القائد عند العديد من الحيوانات، يصطاد هو وبعض ملازميه، ويؤمنون الطعام لبقية القطيع، أما في لبنان فلا قائد ولا ملازمين، بل دفعت هذه السلطة مواطنيها إلى أكل بعضهم البعض، واستطاعت أن تقنع الجماهير بأن المشكلة هي الطرف الآخر، وروضت الشعب بطريقة لا يمكن أن يثور ضد المنظومة كلها، بل كل فريق يعتبر الآخر هو المنظومة ويريد الثورة ضده فقط، بينما سيريلانكا التي لا تعجب الغطرسة اللبنانية، استطاعت تغيير حكامها، والحصول على قرض من صندوق النقد الدولي!

شارك المقال