هوكشتاين يعبر بين “كاريش” و”توتال”… والعهد يرسم خط “الخيانة”

لبنان الكبير

بالتزامن مع الأزمات الحارقة والفوضى والارتكابات غير الدستورية على المستويات كافة ورضوخ الناس لسلطة العهر والتعطيل والتقاعس والصفقات حيث يعوم البلد بمن فيه على كف عفريت، يحط الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت اليوم كأنه في محطة ترانزيت لساعتين في زيارة سريعة و”مسلوقة” تماشياً مع الوضع الداخلي، لكن يبقى الأمل بأن يحمل في جعبته رسالة بيضاء تخبر اللبنانيين بما يحلمون بسماعه: لبنان سيعوم على الخير والبحبوحة.

وفيما لم يعرف ان كان الوسيط الأميركي سيلتقي الرؤساء الثلاثة في لقاءات منفصلة أو خلال لقاء واحد كما حصل في المرة السابقة مع استبعاد ذلك نظراً الى التشنج القائم بينهم، لا يزال الغموض يرافق ملف الترسيم البحري خصوصاً من الجانب اللبناني، الا أن مصدراً عسكرياً أوضح في تصريح لـ”لبنان الكبير” أن المعطيات تشير الى أن الاتفاق على الترسيم قد يستغرق أكثر من هذه الزيارة على الرغم من الأجواء الايجابية، اذ أن اسرائيل تفضل التأخير الى ما بعد اجراء الانتخابات الداخلية، وربما قد يذهب التوقيع الى ما بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون اذا صدقت المعلومات التي نسمعها من مصادر أجنبية. هناك موافقة مبدئية اسرائيلية في التجاوب مع المطالب اللبنانية، وهناك نية أميركية ولدى البيت الأبيض تحديداً لتسريع العملية وتشجيع الاسرائيليين على اتخاذ قرار واضح في هذا الموضوع لأنه يريد افادة أوروبا بأكبر قدر ممكن من غاز شرق المتوسط، بالاضافة الى أن حل المعضلة قد يخلق أملاً وامكان تحسن الوضع المالي والاقتصادي في لبنان. وطالما أن هوكشتاين لا يزال ناشطاً في هذه الوساطة الى جانب الاهتمام الأميركي اللافت للوصول الى حل، فمن المستبعد امكان حصول أي مواجهة بين “حزب الله” واسرائيل .

وأوضح أحد المتابعين أنه بالتزامن مع الزيارة المرتقبة للوسيط الأميركي إلى بيروت اليوم، نشرت شركة “إينيرجيان بي إل سي” العاملة في اسرائيل تقريراً تقول فيه انها في طريقها الى تسليم الشحنة الأولى من الغاز من حقل “كاريش” خلال الأسابيع المقبلة، وأن عمليات الحفر في الحقل الشمالي استُكمِلت في آب الماضي. هذا التقرير يجعلنا نتوجس، اذ ليس مستبعداً أن تكون الأجواء سلبية مع هوكشتاين خلال لقاءاته مع المسؤولين اليوم. وفي حال كانت الزيارة سلبية، سيقدم “حزب الله” على عمل عسكري، ومن المرجح أن يطلق صاروخاً يبعد بضعة كيلومترات عن منصة التنقيب في “كاريش”، وهنا لا أحد يعرف كيف سيكون الرد الاسرائيلي.

من جهة ثانية، اعتبرت مصادر أخرى أن كل ما يجري هو ضمن اطار سقف التفاوض، وأن الأجواء لن تكون سلبية، بل السيناريو الأرجح قد يكون تأجيل عملية الترسيم لفترة زمنية، واحياء المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، وعندها تتولى شركة “توتال” التنقيب قرب البلوك رقم ٩، مقابل أن يتم الانتاج الاسرائيلي من حقل “كاريش”، وهكذا، يخرج الجميع رابحين من دون اللجوء الى تصعيد عسكري.

اما على صعيد الترسيم السياسي، فحدث ولا حرج. ارتكابات بالجملة لطغمة حاكمة وقضاء راضخ لضغوطها لتمرير صفقاتها، ومواصلة حملاتها التصعيدية في كل اتجاه على قاعدة “يا رايح كتر القبايح”، اذ استكمل رئيس العهد حملة صهره بالقفز فوق الدستور، وعدم الاعتراف بأي شرعية سوى بشرعية مصالح هذا الفريق الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويحاول التصعيد انطلاقاً من موقعه الخاسر، ويصوّب النار في كل الاتجاهات، ويهدد بخطوات وبقرارات سيتخذها اذا لم يُنتخب رئيس للجمهورية أو تتألف حكومة قبل 31 تشرين الأول المقبل، ويجتهد بأن حكومة تصريف الاعمال غير مؤهلة لتسلّم صلاحياته، متلمساً العرقلة المتعمدة في التشكيل الحكومي من الرئيس نجيب ميقاتي لكنه عاد وكشف عن نواياه المبيتة من خلال اعترافه بأهمية ضم 6 وزراء دولة سياسيين الى الحكومة الحالية حتى تكتسب حصانة سياسية ضرورية جداً لمواجهة احتمال الشغور، ما يعني أنه كان يلتف على حقيقة الأمر طوال مرحلة التأليف، متحججاً تارة بوزارة الطاقة وتارة أخرى بوزارتي المهجرين والاقتصاد ليثبت مرة أخرى أمام الجميع أنه وفريقه السياسي هم المعطلون والمعرقلون بهدف النفوذ والسلطة والسيطرة.

ويؤكد السياسيون أن الحكومة القائمة، بغض النظر ان كانت حكومة مستقيلة أو كاملة المواصفات، تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور وأن ما يحاول أن يقوم به العهد اليوم هو نوع من التهويل والاستقواء على اللبنانيين وعلى رئيس الحكومة. البلد ليس ملك أحد انما ملك الشعب اللبناني الذي يحتكم الى الدستور. المواجهة في حال حصلت تكون من منطلقات شخصية وليس من منطلقات دستورية. اما أن نطبق الدستور أو ننقلب عليه، ولا تفسير آخر.

أما أحد الدستوريين المخضرمين فقال لـ” لبنان الكبير”: “عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية يصبح وجوده في القصر الجمهوري غير دستوري، ويصبح رئيساً سابقاً مجرداً من الصلاحيات العملانية على الاطلاق انما تقع على عاتقه مسؤولية معنوية وأخلاقية أن يسهل انتخاب رئيس للجمهورية قبل موعد الاستحقاق الدستوري، وتأمين الخلافة وعدم سماحه بحصول الشغور الرئاسي. هذا من مهمته ومن واجباته، وعدم تأمين الخلافة وتداول السلطة وفقاً للدستور هو اخلال بالواجبات الذي يوازي الخيانة العظمى. وعلى الرئيس أن يسعى الى تشكيل الحكومة قبل انتهاء الولاية لأن عدم التشكيل هو اخلال بالواجبات الوطنية سواء كان بسبب العجز أو الارادة. هناك صلاحيات حددها الدستور لرئيس الجمهورية أثناء ولايته، وبالتالي، عليه تسهيل التأليف، والذي يفشل يعني أن ليست لديه الأهلية لتسلم السلطة. وفق الدستور لا يحق لرئيس الجمهورية بعد انتهاء ولايته بدقيقة واحدة أن يقوم بأي خطوة والا يكون ذلك عملاً انقلابياً ومخالفاً للدستور وللنظام الديموقراطي. لماذا التفتيش عن ساعات الظهر ونحن في ساعات العصر؟ علينا في كل الأحوال تطبيق الدستور، واذا كان هناك فشل في تأمين الخلافة تُنزع الصفة عن رئيس الجمهورية. نحن في حالة فشل ذريع من السلطة القائمة لأن أول موجب عليها منع الفراغ بتأمين تداول السلطة بصورة ديموقراطية ودستورية، وكل تذرع بـ “ما خلونا” ولم يساعدوننا هو تأكيد للفشل. كل من لديه صلاحية، عليه ممارستها. هناك صلاحيات وواجبات، وواجب الرئيس المنتهية ولايته تأمين الخلافة، والتذرع بأسباب الفشل هو تأكيد للفشل. وأي خطوة بعد انتهاء الولاية تكون انقلاباً لا بل اغتصاب للسلطة. من واجبات الرئيس أن يسلم الأمانة بكرامة وشرف الى الخلف”.

أضاف: “كل ما يحصل اليوم على صعيد الاستحقاقين الرئاسي والحكومي مرده الى عدم أهلية المسؤولين لتولي السلطة. الرئيس الناجح يؤمن الاستمرارية من خلال تأمين الخلافة. والحكومة الناجحة تتولى مسؤولياتها بشرف. أما كل التراشق بالمسؤوليات والصلاحيات فتأكيد للفشل الجماعي. الرئاسة ليست كرسياً انما مسؤولية، والسلطة مسؤولية. بكل أسف، المتعاقبون على السلطة ليسوا مؤهلين لتأمين المصلحة العامة. آخر رئيس جمهورية في لبنان كان اسمه الياس سركيس، ومن تعاقبوا من بعده كانوا مجرد مقيمين في القصر الجمهوري. وكل ما يتعلق بالمحاصصة والحصص والمكاسب دليل على الجهالة وانعدام الأهلية. لا وجود للحصص انما هناك سلطات في النظام الديموقراطي الذي يقوم على الحكم والمعارضة، ويتكاملان اذ أن المعارضة تراقب وتعارض والحكم يتولى المسؤولية. أما الكلام عن الحصص وتقاذف مسؤولية التعطيل فدليل عقم وانعدام الكفاءة، والتاريخ سيحاسب على هذه التصرفات، وعلى الشعب أن ينتفض ويصحو ليطيح بخيم (الكاراكوز) المنصوبة في مقرات الحكم. بعيداً عن التشاؤم واليأس، نأمل بصحوة ضمير لدى المسؤولين، ومنع الفراغ وانتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بمواصفات الرئاسة خصوصاً لجهة المعرفة والارادة وعدم الارتهان”.

وفي هذا السياق، علم موقع “لبنان الكبير” أن هناك قراراً اتخذ على صعيد أكثر من مرجعية سياسية، بعدم الانجرار الى جدل بيزنطي عقيم مع الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” لأن هذا ما يسعون اليه. لذلك، لن يكون هناك رد بالمباشر على كلام رئيس الجمهورية أو على خطاب رئيس التيار جبران باسيل. البلد سيدخل حالة من الجمود السياسي إلى حين انتهاء ولاية عون، وقد تشهد الأيام المقبلة خطاباً تصعيدياً من العهد وتياره، لكنه لن يحظى بردود من الجهات السياسية التي ستتعامل مع العهد مثل الطفل الذي أدرك أن عطلة الصيف انتهت، ومع كل صراخه، سيذهب إلى المدرسة رغماً عنه وليس بخاطره حتى لو افتعل العهد خضة سياسية دستورية، ستكون قابلة للاحتواء، لأنه لم يبق لديه أصدقاء يمكن أن يصطفوا إلى جانبه. أما “حزب الله” فهو ليس بوارد معاداة كل البلد من أجل طموح الصهر، على الرغم من حرصه على الحفاظ على “التيار” ومكانته، لكنه لن يكون عن طريق استعداء القوى السياسية الأخرى التي تستند الى الدستور.

شارك المقال