ميقاتي سينام في القصر… للتشكيل أو لتقاذف المسؤولية؟

هيام طوق
هيام طوق

ينتظر اللبنانيون حصول أي خرق في الجمود السياسي الذي تنعكس تداعياته السلبية على القطاعات كافة، ويتعلقون اليوم بحبلين: حبل الاستحقاق الحكومي وحبل الاستحقاق الرئاسي، واذا قطعا فستتعقد الأوضاع أكثر فأكثر، وسيستمر الشعب في دوامة العذاب والقهر والجوع الى ما لا نهاية. لذلك، كلما يزور رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، رئيس الجمهورية ميشال عون تتجه الأنظار الى قصر بعبدا، وما اذا كان سيتصاعد منه الدخان الأبيض، لكن الى اليوم طغى على محادثات التشكيل الدخان الأسود بسبب التشبث في المواقف والفرق الشاسع في المقاربة بين الطرفين المعنيين بالتأليف، وتجلى ذلك في حرب البيانات بين مكتبي الرئيس المكلف و”التيار الوطني الحر”.

في زيارة لم يعلن عنها الا قبل ساعات في ظل الوساطة التي تعمل على خط التأليف ولم تتمكن من تحقيق تقدم يذكر، استقبل رئيس الجمهورية امس، الرئيس المكلف ودام اللقاء بينهما نصف ساعة، وغادر الأخير من دون الادلاء بأي تصريح، مكتفياً بالقول: “هالمرة قعدنا نص ساعة، مشوار الجايي رح اجي وضلني قاعد حتى تشكيل الحكومة، وما رح روح، رح نام هون”. ولما سئل عن الموعد المقبل، أجاب: “بعد عودتي من السفر”.

وتحدثت المعلومات عن أن لقاء الرئيسين كان محوره الأساس، استئذان ميقاتي من عون للسفر إلى بريطانيا والمشاركة في مراسم دفن الملكة اليزابيت، كما تطرق البحث الى آخر المعطيات المتعلقة بملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ومهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، واجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة وكلمة لبنان التي سيلقيها ميقاتي كرئيس للوفد اللبناني. وجرى عرض لموضوع تشكيل الحكومة والتطورات في هذا الشأن والاتصالات الجارية للاسراع في عملية التأليف.

ما صرح به الرئيس ميقاتي، استبشر به البعض خيراً واعتبره خطوة جيدة في الاصرار على التشكيل في ظل الأوضاع الدقيقة التي تمر بها البلاد والحديث عن شغور رئاسي، فيما رأى البعض الآخر أن ذلك يأتي في اطار الشعبوية ولدحض مقولة ان الرئيس المكلف لا يريد التشكيل وانه قام بواجباته كاملة، وبالتالي، هذا الكلام لا يمكن وضعه الا في خانة تقاذف كرة النار بين لاعبي الجبهة الواحدة والهاء الناس عن أمورهم الحياتية اليومية.

وتحدث عدد من المحللين عن فرضيات عدة، منها: اما أن المعنيين بملف التشكيل يتعرضون لضغوط كبيرة داخلية وخارجية أو أنهم تحسسوا خطورة المرحلة المقبلة بعد المعلومات التي وصلتهم عن ضرورة التشكيل لتفادي السقوط في المحظور، أو أنهم استفاقوا فجأة وتحسسوا مسؤولياتهم الوطنية أو يستمرون في اللعب على حافة الهاوية حتى النهاية، لكن عند الوصول الى الهاوية لا يمكن الاستمرار في اللعب والمخاطرة، وبالتالي، ستولد الحكومة قبل أيام من نهاية عمر العهد الحالي.

وفي هذا الاطار، رأى الوزير السابق رشيد درباس في حديث لـ”لبنان الكبير”، أن كلام ميقاتي “فيه نوع من التفاؤل، وربما أصبحت لديه أخبار جيدة في ما يتعلق بالتشكيل، واتفق مع الرئيس بعد عودته من السفر على التباحث في هذا الشأن”، متوقعاً أن يحصل التشكيل في الأيام العشرة الأخيرة من عمر العهد الحالي.

ولاحظ أن “كل الأفرقاء يلعبون على حافة الهاوية حتى النهاية، لكن عند الوصول الى الهاوية لا يمكن الاستمرار في اللعب والمخاطرة”، مشيراً الى وجوب “أن نأخذ في الاعتبار أن حزب الله يريد تشكيل الحكومة كما أن هناك ضغوطاً محلية ودولية للتشكيل”. وأكد أنه “لا يمكن أن نعوّل على الاحساس بالمسؤولية لأن من يحس بالمسؤولية يتفادى السلبيات ويقوم بكل واجباته على أكمل وجه”.

اما الوزير السابق آلان حكيم فاعتبر أن “ما نسمعه ونراه يمكن أن نضعه في خانة تقاذف كرة النار بين لاعبي الجبهة الواحدة والهاء الناس وتبييض صفحتهم تجاه بعضهم البعض”، معرباً عن اعتقاده أن “لا ضغوط دولية أو اقليمية بل الضغط الوحيد اليوم هو ضغط المواطن والضغط المعيشي اليومي والقطاعات التي تنهار بالتوالي. هذه القطاعات التي هي صمام الأمان للمواطن، وعار على من يؤجل في الاستحقاقات الدستورية”. ونبّه على أن “التأجيل مميت والوقت ثمين جداً، وكل لحظة تضيع يكون ثمنها باهظاً على الناس”.

وشدد على “أننا في حالة ضرورة وعجلة ومرحلة دقيقة وحساسة، اذ ما يحصل من تلكؤ على صعيد مجلس النواب وعلى صعيد تشكيل الحكومة غير مقبول ويعني عدم المسؤولية تجاه المواطنين. لا يمكن أن نفهم كيف أن بلداً بهذه الحالة المزرية ولم تتشكل حكومته الى اليوم، والنقاش يطول ويطول من دون أي جدوى أو نتيجة، وذلك بعد 3 سنوات من عدم اتخاذ أي خطوة ايجابية على الصعيد الاقتصادي والمالي ومعيشة المواطن”.

وأشار النائب السابق غسان مخيبر الى أن “كلام ميقاتي يمكن وضعه في اطار الرسائل، اذ يبدو أنها رسالة لدحض مقولة ان رئيس الحكومة لا يريد التأليف، وانه يماطل لعدم الوصول الى اتفاق مع رئيس الجمهورية. فهو يؤكد نيته الصادقة ورغبته في التشكيل”. وقال: “بمعزل عن الآليات، لا يجوز أن نعتاد أو نتأقلم على الفراغ البغيض، لذلك أي آلية للخروج من الفراغ مطلوبة وليس تنظيم الفراغ والاختلال الدستوري”.

ورحّب بكلام ميقاتي لأنه “بمعزل عن ارادة الدول الخارجية يبقى الاستحقاق الحكومي مطلباً لبنانياً قبل كل شيء، وواجباً دستورياً وليس مسألة مرتبطة بمشيئة رئيس جمهورية أو رئيس حكومة مكلف. المعنيون قصّروا وتأخروا في التشكيل، اذ أن النظام الدستوري اللبناني قائم على حتمية التفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لانتاج حكومة جديدة”. ولفت الى أن “فكرة المكوث في مكان حتى الاتفاق تذكر بنظام انتخاب البابا في روما حيث يقفل على الكرادلة في قاعة ولا يخرجون منها الا باتفاق على انتخاب بابا جديد”، آملاً “أن يتم العمل بذلك النظام في تشكيل الحكومة وفي مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية بحيث يقفل المجلس على النواب الى حين الاتفاق على رئيس”.

شارك المقال