عندما تغتال السياسة الاقتصاد

هدى علاء الدين

تشخص عيون اللبنانيين إلى القصر الجمهوري الذي يستعد لاستقبال رئيس جديد للجمهورية يتمتع بالرؤية الاصلاحية والكفاءة الاقتصادية لاصلاح ما أفسده السلف، انطلاقاً من مبدأ “الاقتصاد يقود السياسة” وليس “السياسة تقود الاقتصاد”، في ظل تحديات اقتصادية عديدة تنتظر الرئيس المقبل تصبّ عناوينها كافة في خانة الاصلاح الاقتصادي، أبرزها وضع خطة اقتصادية متكافئة، التوقيع على برنامج صندوق النقد الدولي، إيجاد حلول جذرية لأزمة المودعين مع القطاع المصرفي، هيكلة المصارف، إصلاح قطاع الكهرباء، إعادة هيكلة الدين العام، إصلاح المالية العامة وضبط الانفاق غير المجدي وتحديده في موازنة عامة تراعي مصادر تمويل هذه النفقات عبر تحسين جباية الايرادات بطريقة عادلة لا تعمّق الاختلالات الاجتماعية، فضلاً عن تنشيط الدورة الاقتصادية وإعادة الثقة التي تجذب الرساميل والاستثمارات والعملة الصعبة. فهل يمكن تطبيق مبدأ “الاقتصاد يقود السياسة” في لبنان بعد أن غيّرت السياسة معالمه الاقتصادية؟

أعوام طويلة مرّت على لبنان المنهك بالأزمات السياسة كان الاقتصاد فيها أولى ضحاياها، حتى أنه في الكثير من الأحيان عوقب بغياب الاصلاح عن سابق تصور وتصميم بدءاً من مؤتمرات باريس وصولاً إلى مؤتمر “سيدر”، ليُنتج هذا الواقع التدميري بلداً هشاً مجهول الحاضر والمستقبل. فالأزمات المتشابكة جعلت من جدلية “الاقتصاد أولاً أم السياسة” لغزاً يصعب حلّه في بلد يُتنازع عليه إقليمياً ودولياً، نظراً إلى تأثير القرار السياسي بصورة مباشرة على القرارات الاقتصادية. ارتباط السياسة الوثيق بالاقتصاد جعل منها الحاكم الأوحد، فحكمت من منطلق القوة وكانت سلاحاً فتاكاً في وجه كل من يتجرّأ على الاصلاح. صحيح أنه لم يعد خافياً على أحد اليوم طغيان الاهتمام الاقتصادي شعبوياً على الاهتمام السياسي، إلاّ أن ذلك لم ولن يُغيّر من معادلة السياسة أولاً والاقتصاد ثانياً، في ظل وجود محورين رئيسين على نقيض تام في السياسة يكلف الصراع بينهما الاقتصاد الوطني ثمناً باهظاً.

بين السياسة والاقتصاد في لبنان التباسات في الأولوية والأهمية ورحلة طويلة من الانقسامات شرقاً وغرباً وحروب باردة جعلت الأهداف الاقتصادية رهينة الاتفاق السياسي الذي إما يعمل على تحضير البيئة اللازمة لتحقيقها في حال توافره أو نسفها في حال غيابه. وعملاً بهذه المعادلة، تمّ تجريد لبنان من ميزاته الاقتصادية كافة وتطويع الاقتصاد خدمة للسياسة عوض أن تكون السياسة في خدمة الاقتصاد.

لم ينجح الاقتصاد يوماً في الانتصار على السياسة، فأدير من منظور سياسي بحت لا يأبه لمصلحة الفرد والمجتمع والوطن. وعلى الرغم من الحاجة الملحة الى الانقاذ الاقتصادي والمالي، لا يزال الاستثمار في السياسة هو الاستثمار الأكثر تداولاً والأكثر جذباً، حتى باتت نظرية التضحية بالحلول الاقتصادية لصالح بعض المكاسب السياسية نهجاً متبعاً أطاح بالنهج الإصلاحي الذي لم يجد في لبنان أرضة خصبة لولادته.

شارك المقال