اشتدّي أزمة… تنفرجي

صلاح تقي الدين

يبدو أن “سكرة” المسؤولين بإنجاز الاتفاق على ملف ترسيم الحدود البحرية قد أنستهم أن الوقت بات قصيراً أمام إنجاز استحقاقين دستوريين بالغي الأهمية وهما تشكيل حكومة قادرة على أن تمثل أمام المجلس النيابي للحصول على ثقته قبل الحادي والعشرين من تشرين الأول الجاري، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية ليتسلّم أشلاء دولة يخلّفها “العهد القوي” قبل نهاية ولايته بعد 18 يوماً.

يعتبر رئيس “العهد القوي” أن ما حققه إنجاز لم يسبقه إليه أي من الذين تعاقبوا على المسؤولية في لبنان، لكنه نسي أو تناسى أن ما حققه للبنانيين هو بكل بساطة “جهنم” التي وعدهم بسلوك طريقها وهم عليها ولا يبدو أن في الأفق ما يشير إلى نهاية هذه الطريق.

ما يجب على الرئيس أن يحققه هو “كبح” جماحه وجماح “السلطان” صهره وتسهيل عملية تشكيل الحكومة التي تعطّل مسار تأليفها لغاية اليوم، وكالعادة، بسبب مطالب “الصهر الميمون” جبران باسيل العجيبة والغريبة والتي إن دلّت على شيء فعلى إرادته التحكّم بمسار البلاد ومصيرها، والتعدّي الفاضح على الدستور على عادته منذ حتى ما قبل وصول “العم” إلى قصر بعبدا.

إن تشكيل الحكومة سيكون إنجازاً حقيقياً يستطيع الرئيس ميشال عون أن يفخر به في هذه المرحلة، لكي يتجنّب لبنان الدخول في الفوضى الدستورية التي وعدنا بها “الصهر الميمون”، وإخراج الحكومة من العتمة إلى الضوء سيكون بداية خروج لبنان من الظلمة إلى النور، لأن الحكومة التي ستتولى وكالة شؤون الرئاسة في حالة الشغور، قادرة بالحد الأدنى على سلوك طريق إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وكما بات معروفاً هو بداية الطريق إلى الانقاذ المالي والاقتصادي، وبذلك يتقدّم بأشواط كثيرة على المال الموعود من الثروة النفطية والغازية التي تكتنزها المياه الاقتصادية اللبنانية، فهل يدرك الرئيس المغادر ذلك ويحقق هذا الانجاز؟

والانجاز الأكثر أهمية، هو تأمين انتخاب رئيس خلف ستكون الأحمال الملقاة عليه كثيرة وثقيلة، وستكون مهمته شاقة للبدء بترميم هيكل المؤسسات الرسمية التي تهاوت بسبب سوء إدارة “العهد القوي”. وإن كان في هذا المجال لا يتحمّل “الرئيس القوي” المسؤولية بمفرده لتحقيق هذه المسألة، إلا أن بمقدروه الايعاز إلى الكتلة النيابية التي يترأسها صهره للانتقال من مرحلة التعطيل التي مارسها بأبهى فصولها اليوم وتحت حجة واهية، إلى مرحلة التفاعل والتواصل مع باقي الكتل النيابية للتوافق على إنتاج رئيس إنقاذي و”انتحاري” يتحمّل مسؤولية عظيمة لانقاذ البلاد والعباد.

عوض العيش في حلم تحقيق “الانجاز التاريخي” بالوصول إلى حلّ لملف ترسيم الحدود البحرية مع دولة الاحتلال الصهيوني، يجب العمل على تحقيق “إنجاز” الوصول إلى حلّ تشكيل حكومة فاعلة أولاً، وإن لم يكن تحقيق ذلك هيناً بسبب “صعوبات” يتحمّل جبران باسيل مسؤوليتها بمفرده، إلا أن هذا الحلّ سيكون على الأقل بالنسبة إلى اللبنانيين باب “فرج” يزيح عنهم “كابوس” الفوضى التي يمكن أن ينقادوا إليها بسبب رغبات باسيل المستحيلة.

هل أصيب الرئيس أو باسيل لا سمح الله بالصمم؟ ألا يسمعان أنين المواطنين؟ هل أصبحا يعيشان في “أرض لالا” ولا يريان ما الذي يعانيه الشعب اللبناني بأكمله، أزمات تتوالى بعدها أزمات، من المحروقات إلى الدواء إلى الخبز والطحين، إلى العجز المتمادي في تأمين حاجياته الأساسية، إلى قوارب الهجرة والموت التي تحمل اللبنانيين الهاربين ليس من القدر الالهي، بل من القهر الانساني الذي تسببت به سياسة “العهد القوي”؟

أسئلة لا يستطيع أي مسؤول التغاضي عنها، ولا يستطيع أي مواطن عدم طرحها لكن على من تقرأ مزاميرك…؟

لعل ما يجري اليوم والصعوبات الكثيرة التي يواجهها لبنان واللبنانيون، يعود إلى أن المسؤولين أتقنوا فن اللعب على “حافة الهاوية” غير آبهين بمصير أبناء البلد لأن أبناءهم بمنأى عن شرورهم، ولأنهم يعتقدون حتماً بأن القول الشعبي “اشتدي أزمة… تنفرجي” هو الذي سيتحقق في النهاية، لكن الخوف من أن تنفجر هذه الأزمة عوضاً عن الانفراج، وهذا ما يخشاه اللبنانيون، كل اللبنانيين.

شارك المقال