في ذكرى إغتيال وسام الحسن… الأمن مكشوف والاستقرار مفقود!

زياد سامي عيتاني

عشر سنوات مرّت على إغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، (١٩تشرين الأول ٢٠١٢)، وما زال الفراغ الكبير الذي أحدثه الاغتيال مخيّماً وقائماً، لأنّ الشهيد الحسن، لم يكن مجرد ضابط تقليدي يتولى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بل كان ومن موقعه يجيد ويبدع في توظيف ما كان يتوافر لديه من معلومات أمنية ومخابراتية، في سبيل الحفاظ على الاستقرار الداخلي، في أكثر مرحلة انقساماً وتأزّماً بين الأفرقاء اللبنانيين، عندما كان إصطفافهم يتوزّع بين فريقي “٨ و١٤ آذار”، معطوفاً على الارتدادات المباشرة لصراع دول المنطقة على الداخل اللبناني، حتى وُصف بأنّه “ركن كبير من أركان الاستقرار الأمني في لبنان”.

فالشهيد الحسن، الذي عُرف بأنّه أيضاً “رجل المهمات الصعبة”، واعتُبر الشخصية الأمنية الأبرز في مرحلة شهدت اهتزازات أمنية وعمليات اغتيال، والضابط الذي كان رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، إضطلع بدور ريادي في كشف الخلايا الإرهابية ومخططات التفجير وخلايا التجسّس الإسرائيلية، في مرحلة محورية من تاريخ لبنان، حتى أن العارفين بخبايا الأمور وخفاياها، كانوا يعتبرون أنّه القائد العام الفعلي لقوى الأمن الداخلي، إذ كان هو المحرّك للواء أشرف ريفي حينها، لذلك كان يُعتبر من أبرز الشخصيات المرشحة لتولي منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي خلفاً له.

اللواء الشهيد وسام الحسن
اللواء الشهيد وسام الحسن

الشهيد الحسن، أسّس منظومة أمنية ستبقى علامة فارقة في تاريخ قوى الأمن، فقبله كانت شعبة المعلومات إسماً بلا مهمة، ومعه تحوّلت إلى مؤسسة ارتقت بالعمل الأمني الوطني إلى مصاف المؤسسات البارزة في هذا المضمار في الدول المتقدّمة.

ففي العام ٢٠٠٦ وبالتزامن مع خروج الجيش السوري من لبنان، عُيّن الحسن رئيساً لشعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبناني. ولعب دوراً أساسياً في تقوية فرع المعلومات، وتمكّن خلال رئاسته له من توقيف ما يزيد عن 30 شبكة للتعامل مع إسرائيل، فضلاً عن توقيف عدد من الجماعات الإرهابية.

وفي العام ٢٠٠٧ وبعد تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بدأت الضغوط بالتزايد على الحسن، إذ كان حاضراً بقوة في مجريات التحقيق، وأشرف على رسم خريطة الاتصالات مع الرائد الشهيد وسام عيد الذي توصَّل إلى نتيجة لا تحتمل أيّ شك وهي “تلازم الخطوط الخلوية”، بمعنى كشف الأرقام التي يتكلّم أصحابها وهي في حوزتهم، بحيث يتبيَّن أنّ رقماً معيّناً، غير معروف صاحبه، كان بقرب رقم آخر معروفٌ صاحبه.

هذه النظرية أو الحقيقة التي توصَّل إليها الرائد عيد، والذي أبلغها إلى لجنة التحقيق الدولية، وأفضت إلى إصدار القرار الاتهامي بحق أربعة أشخاص من “حزب الله”، كلفته حياته أيضاً.

وفي العام نفسه الذي اغتيل فيه، كشف الحسن وأحبط مخططات لتفجير مناطق في بيروت والشمال، وقبض حينها على الوزير المقرّب من سوريا ميشال سماحة، الذي أدخل بسيارته المتفجرات من سوريا لهذه الغاية. وإستطاع اللواء الحسن كشفها من خلال عميل مزدوج، عمِل مع سماحة، وكان مخبراً لدى فرع المعلومات. وتمكّن الحسن من توثيق هذه العملية النوعيّة بالصوت والصورة، مما مكّنه من كشفها أمام الرأي العام.

كذلك، تكلّلت جهود الحسن بكشف تعامل القيادي في “التيار الوطني الحر” العميد فايز كرم مع العدو الاسرائيلي، (علماً أن كرم كان قائداً لمكافحة التجسّس في الجيش!).

هذا الملف، دفع رئيس التيار آنذاك العماد ميشال عون إلى شنّ حرب إعلامية سياسية على اللواء الحسن، إلى درجة أنّه في إحدى إطلالاته الاعلامية هاجمه وتوعَّده وخاطبه قائلاً: “مَن هو وسام الحسن؟ مَن هو معلمه في تاريخ لبنان؟ (…) يحقِق متل ما بدو، مش مين ما كان بيدِق بالتوتر العالي وبيضَل طيِّب!”.

يذكر أنّ الحسن قبل توليه منصب رئاسة فرع المعلومات، كان مديراً للمراسم في رئاسة الحكومة في عهد جميع حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري وكان مقرّباً منه جداً، وبعد اغتيال الشهيد الحريري، بات الحسن مقرّباً من الرئيس سعد الحريري.

وطيلة عمله إلى جانب الرئيسين الحريري الأب والإبن، كان يُكلّف بمهام إستثنائية في ظروف إستثنائية، بحيث كان يتولى اتصالات على درجة عالية من الأهمية مع جهات مختلفة، بهدف وأد الفتن في مهدها، وتعطيل كلّ صواعق تفجير الصراعات السياسية، وما هو أخطر من ذلك، وذلك لتجنيب لبنان المزيد من المخاطر يوم كان في قلب العاصفة، مستفيداً من الثقة الكبيرة التي تمكّن من خلال إحترافيته أن ينتزعها من جميع الجهات والفرقاء.

بعد عشرة أعوام، أين اصبح التحقيق في إغتيال أحد ابرز القادة الأمنيين بعد إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية؟ وهل هناك معلومات مجمّعة في ملف التحقيق؟

هذان السؤالان يجيب عنهما المحقق والمدعي العام في القانون اللبناني ويبتّ بهما القاضي. وليس من حق أحد من خارج القضاء أن يتدخّل في هذا الشأن.

غير أنّه من حقنا كمواطنين لبنانيين، أن نسطّر ضابطة إتهامية لا تستند إلى معطيات قانونية ولا أمنية، بل تنحصر بقراءة تحليلية سياسية من خلال متابعة ما سبق الاغتيال من تطورات ومواقف، تستوجب التوقف عندها، بما فيها إنجازات اللواء الشهيد وسام الحسن، مع التأكيد أن ما يمكن إستنباطه، لا يعدو كونه مجرد تحليل إحتمالي، قد يكون صائباً، وقد لا يكون:

– أول من يمكن توجيه أصابع الإتهام اليه، هو العدو الصهيوني، الذي تمكّن وسام الحسن من تفكيك شبكات التجسّس التي زرعها في لبنان، حيث شكّلت ضربات موجعة له ولجهازه الاستخباراتي، الذي يُصنّف بأنّه من الأقوى عالمياً.

– المتهم الثاني قد يكون النظام السوري، اذ أنّ وسام الحسن هو الوحيد الذي ضبطه بالجرم المشهود في قضية ميشال سماحة، الذي كان من المقربين اللصيقين بأجهزة النظام، وأحد مستشاريه، لذلك، من المحتمل، منطقياً أن يكون هذا النظام قد ثأر لنفسه من تلك الفضيحة.

– لا يستبعد أن تكون أجهزة إستخباراتية إقليمية و/أو دولية، تتبع دولاً ذات تأثير على الوضع الداخلي اللبناني، لها حساباتها وأجنداتها الخاصة، قد يكون الشهيد الحسن كشف ما كانت تخطّط له في لبنان، بما يتعارض مع إستقراره ومصلحته الوطنية، فقرّرت إستبعاده عن المسرح الأمني، لتصبح الساحة متفلّتة أمنياً، مما يسهّلُ لها مهامها.

– إغتيال الشهيد الحسن، تزامن مع بروز الدور الملتبس للجماعات الإرهابية وإنتشارها وتعاظمها، والتي اتخذت من الاسلام السياسي غطاءً لها، يجعل إحتمال أن يكون إغتياله قد تمّ بواسطة إحدى تلك المنظمات المتمرّسة في الإجرام، إما بقرار ذاتي مستقل، أو بطلب من دولة ما، بهدف نقل الحريق الذي كان قد بدأ اندلاعه على نطاق واسع في كلّ من سوريا والعراق إلى لبنان، وتأجيج الصراع السنّي – الشيعي.

إن هذه المقاربة للظروف التي أحاطت بإغتيال اللواء الشهيد لا تعدو كونها مجرد محاولة سياسية للإحاطة بها، من دون أن تشكّل أيّة إدانة لأيّ من الجهات التي تناولناها، لأنّه في نهاية المطاف، القضاء وحده هو الجهة المخوّلة بإصدار الأحكام والإدانة، سنداً للأدلة والقرائن والاثباتات القانونية.

لكن ما يجب عدم تناسيه أو القفز فوقه، هو تلك الحملات السياسية والاعلامية من فريق معين، التي طالت اللواء الشهيد واستهدفته بكلّ شراسة، طيلة الأشهر التي سبقت اغتياله، والذي ضاق ذرعاً بما أنجزه الحسن في مواجهة الشبكات الصهيونية المزروعة في صفوفه (!) والتي اتُبعت عقب جريمة الاغتيال، بحملة أكثر إيلاماً، تمثّلت في المحاولات الملتوية بتبرير الجريمة، التي لا تقلّ إجراماً عنها!

شارك المقال