١٧ تشرين… ذكرى بلا عصب ولا نبض!

زياد سامي عيتاني

حلت ذكرى “١٧ تشرين”، التي إنقسم اللبنانيون حيالها، كما هو معتاد إزاء كل حدث!

هناك من أيدها وتفاعل معها وشارك فيها، وهناك من شيطنها، واعتبرها مؤامرة خارجية تقودها وتقف وراءها وتمولها سفارات وأجهزة مخابرات خارجية، مستغلة وجع الناس من جراء الظروف المعيشية، (على الرغم من أنها لم تكن قد وصلت حينها إلى هذا الانهيار الذي بلغته في أيامنا هذه).

وهذا الإنقسام، طال أيضاً تسميتها وماهيتها من النخب الفكرية والمحللين والباحثين، الذين حاولوا أن يجعلوا من أنفسهم منظرين لها، فهناك من اعتبرها ثورة، فيما البعض اعتبرها حراكاً، والبعض الآخر لم ير فيها أكثر من حالة إحتجاجية.

كما أن هؤلاء المنظرين أنفسهم إختلفوا حول ما إذا كان ينبغي أن تتشكل قيادة موحدة لادارة الحراك، أم أن عدم تشكيلها يكسبها حرية التحرك ويبقيها مستقلة، فتزداد قوة.

الصورة لـ “حسان الترك”

بمعزل عن تقويم تلك الحركة، فمما لا شك فيه أنها اكتسبت جماهيريتها وشعبيتها بفعل خروج الناس الصادقين والأنقياء إلى الساحات عفوياً وبملء إرادتهم، للتعبير عن سخطهم وإحتجاجهم على ما آلت إليه الأوضاع، من دون تحريك أو توجيه، بمعزل عن الانتهازيين والوصوليين الذين تسللوا إلى تلك الساحات، منتحلين صفة قيادة التحركات، إضافة إلى دخول عدد من الأحزاب على خط التحركات في المناطق التي لها فيها حضور فاعل، لاستغلالها وتوظيفها خدمة لمصالحهم السياسية الضيقة.

لكن، ثمة حقائق لا يمكن إنكارها، يجب الإقرار بها، ليس على سبيل إطلاق الأحكام، بل بهدف المراجعة البناءة، وإيجاد مساحة من الحيوية النقدية، التي هي وحدها الكفيلة بتبيان السلبيات والايجابيات للبناء عليها للمستقبل:

من هذه الحقائق:

١- غياب الرؤية والأهداف، وبالتالي برنامج عمل من شأنه أن يتحول إلى مسار نضالي، كفيل بوضعها موضع التنفيذ.

٢- تشتت المطالب وتداخلها بصورة عشوائية غير متناسقة، بحيث طرحت قضايا من خارج السياق.

٣- دخول متسللين إلى الحراك لتشويهه وتسطيحه، مما جعله أقرب إلى “كارنفال” للاستعراضات والعراضات الفولكلورية، تحت شعار: “البعد الحضاري والتحديثي للحراك”، المختلف عن الأشكال النمطية التقليدية.

٤- عدم تمكن الحراك من خرق جدار الانتماءات الطائفية والحزبية للشعب اللبناني، على الرغم من المشاركة الواسعة والكثيفة في بدايته، إلا أنها تضاءلت مع الوقت، من جراء عودة الجماهير التي تأثرت بالحملات السياسية، أسيرة الى شرنقتها الطائفية والمذهبية، مما تسبب بمحدودية المشاركات الشعبية لاحقاً.

٥- تمكن السلطة وأحزابها من إستهداف الحراك وإضعافه وتشتيته وإحداث الانقسامات بين الساحات، بشتى الوسائل والأساليب، بما في ذلك “البلطجة” والاعتداءات الجسدية، إلى أن تمكنت من إجهاضه.

٦- تراكم التطورات والأحداث السياسية، وحتى الأمنية (أحداث الطيونة وعين الرمانة نموذج عنها)، وصولاً إلى تفجير بيروت الجهنمي (!) إضافة إلى الانهيار المتسارع على الصعيد المالي والاقتصادي، معطوفاً عليه جائحة كورونا، كل ذلك ساهم في إضمحلال الحراك، وصولاً إلى إنطفائه كاملاً وبصورة نهائية، مع بقاء من نصبوا أنفسهم قادة له، ومنحوا ذاتهم لقب “ثوار” و”تغييريين”، متحدثين بإسم الحراك، تمهيداً وتحضيراً لخوض الانتخابات النيابية بتلك المسميات.

الصورة لـ “الفنانة لميا اللبان”

لكن دعاة التغيير الذين سطع نجمهم خلال ثورة تشرين، كقيادات إصلاحية شابة واعدة، عندما إقترب الإستحقاق الإنتخابي، لم يتمكنوا من تأسيس حالة سياسية بديلة عن الطاقم السياسي، لعجزهم عن تشكيل إطار تنظيمي جامع وموحد، يتأطر فيه كلّ قادة الثورة، تمهيداً لمأسستها وفقاً لأسس ومرتكزات صلبة ومتماسكة، تحاكي الجيل الجديد وتعبّر عن تطلعاته وهواجسه، مما تسبب بإنقسامهم وتوزع بعضهم على لوائح الأحزاب، وذلك بسبب الخلافات التي إستحكمت في ما بينهم على الترشيحات وعلى العناوين السياسية.

وبذلك، تكون قوى التغيير قد أخفقت في التمكّن من التوحّد، وحتى من التوافق على برنامج مشترك، كفيل بأن يجعل منها قوة تغييريّة مؤثّرة وفاعلة في مواجهة الطبقة السياسية التي طالما طالبت بإسقاطها، فإذا بها تسقط نفسها في فخ حساباتها الضيقة ونزعاتها الاستئثارية للهيمنة على الإمساك بقرار الحراك (!) فأطاحت بكلّ الرهان الذي كان معقوداً على الثورة، لتتسابق في ما بينها لدخول جنّة هذه الندوة البرلمانية.

غير أن ذلك، لم يحل دون وصول عدد منهم إلى الندوة البرلمانية، على الرغم من “الشبهات” السياسية التي تحوم حول ولاءات بعضهم.

ومنذ فوزهم يجهدون لأن يكونوا كتلة متراصة في مواقفها وخياراتها، وإن نجحوا في الشكل في تحقيق رغبتهم، إلا أن تكتلهم عند كل إستحقاق تشوبه الخلافات، ولو حاولوا تجميلها بأنها مجرد تنوع يعزز الخيارات المتاحة أمامهم ويغنيها.

ومن خلال أدائهم السياسي والنيابي الذي يصفه الكثير من المحللين بالمراهقة السياسية (من دون أن نتبنى هذا التوصيف)، فإن المؤكد أن كل محاولاتهم ومساعيهم بقيت عاجزة وقاصرة عن فتح ولو ثغرة في الجدار الحديدي الذي يشكل خط الدفاع الأول عن الطبقة الحاكمة، اللهم إلا إذا إستثنينا الضجيج الاعلامي.

بناء على ذلك، فإنه من الطبيعي أن تكون قوى التغيير قد أحدثت خيبة أمل كبيرة لكلّ من شارك بصدق ونقاء وتجرّد في حراك ١٧ تشرين، وعوّل عليه، في حصول التغيير الذي ينقذ الوطن من الذهاب به إلى جهنم الموعودة، بعدما إبتلعت الأنانيات الانتهازية والمصالح الشخصانية والارتهان حركة ١٧ تشرين… فكان من الطبيعي أيضاً أن تحل ذكراها، بلا عصب ولا نبض!

شارك المقال