قمّة الجزائر: المفعول لم يلامس المأمول!

رامي الريّس

بعد إنقطاع لنحو ثلاث سنوات فرضته جائحة “كورونا” (من دون إغفال الإنقسامات العربيّة التاريخيّة)، إلتأمت القمة العربيّة في العاصمة الجزائريّة بمشاركة قياديّة مقبولة، ولو أنها لم تكن مكتملة أو كافية.

يعود تأسيس الجامعة العربيّة إلى العام ١٩٤٥ (ولبنان أحد الدول المؤسسة بالمناسبة) وقد جاء تشكيلها في لحظة دوليّة مفصليّة عقب إنتهاء الحرب العالميّة الثانية وبدء الحرب الباردة وتقدّم الصراع الدولي بين القطبين العالميين، فضلاً عن تنامي التيارات القوميّة وتسارع نمو حركات التحرر الوطني في العديد من بقع العالم للتخلص من الحقبة الإستعماريّة الطويلة التي أطبقت على دول العالم الثالث ومنها الدول العربيّة بطبيعة الحال.

وسبق العرب القارة الأوروبيّة في وضع المرتكزات المؤسساتيّة للعمل المشترك، ذلك أن الأوروبيين باشروا في تلك الخطوات مع إنشاء منظمة الفحم والحديد سنة ١٩٥٦. طبعاً، حجم التقدّم الأوروبي على طريق الوحدة يضاهي بأشواط هائلة تكاد تسقط المقارنة مع الواقع العربي الذي بقي متأخراً بطريقة محبطة بفعل الخلافات العربيّة وغياب عامل الثقة بين “المحاور” العربيّة المختلفة.

صحيحٌ أن تمرين فصل السياسة عن الاقتصاد وممارسته بالفعل هو خيار صعب ولا يلامس الواقعيّة في بعض الأحيان، ولكن الصحيح أيضاً أنه لو تمكن العرب من إعطاء الأولويّة للتقارب الإقتصادي إنطلاقاً من الإعتبارات المصلحيّة (إلى جانب الإعتبارات القوميّة والسياسيّة) لربما تغيّرت أوجه المنطقة العربيّة بشكلٍ نوعي، ولتدنت حتماً نسب الإحباط الشعبي من المفاعيل المحدودة جداً للقمم المتلاحقة على مدى سنوات والتي إقتصرت نتائج بعضها على مجرّد تكرار لفظي فيه الكثير من الفصاحة العربيّة والأدبيّات السياسيّة، والقليل من النتائج العمليّة.

لقد سعت الجزائر إلى إنجاح القمة بكل قوتها من خلال الحركة السياسيّة والديبلوماسيّة الإستباقيّة التي قامت بها في إطار الإعداد لها، كما أنها حاولت تهيئة الأجواء المؤاتية التي يمكن من خلالها الحد من الخلافات العميقة. بالإضافة إلى ذلك، “رسملت” الجزائر على إنجازها الإتفاقيّة الجديدة للمصالحة الوطنيّة الفلسطينيّة، وهي ليست الاتفاقيّة الأولى من نوعها، وقد لا تكون الأخيرة عطفاً على التجارب السابقة في هذا المضمار.

إنما، مع كل ذلك، لا يمكن الإنتقاص من حجم التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة العربيّة، إذ بالإضافة إلى “قضيّة العرب المركزيّة”، أي “قضيّة فلسطين” التي تُعتبر الصراع الأطول من نوعه من دون الحلول السياسيّة الناجعة؛ فإن قضايا الفقر والتصحر والتضخم وغياب التنمية الإقتصاديّة والإجتماعيّة والفساد وسواها من العناوين الكبيرة والمثيرة للقلق تبقى معلقة جميعاً إلى أجل غير مسمّى.

لعله بات من المفيد التساؤل حول الخيارات الوحدويّة الجماعيّة بعد مرور كل هذا الزمن. إذا كانت أوروبا الموحدة منذ عقود تواجه ما تواجهه من تحديات وجوديّة عميقة على خلفيّة هويتها المركبة، وقد تعرّضت لضربة موجعة مع الإنسحاب البريطاني منها؛ فكم بالحري بالنسبة إلى الواقع العربي المفكك الذي بقي على تشرذمه لسنوات طويلة من دون جدوى؟

ولكن البديل الجدي لا يعدو كونه المزيد من الإنقسام والتقهقر والإنكسارات. صار من الملح بناء مقاربات جديدة للعمل الجماعي العربي يكون عنوانها الأساس تكريس إستقلاليّة القرار السيادي للدول في المجال السياسي بموازاة تعزيز آليّات التعاون الإقتصادي حتى لو لم يكن من موقع التفاهم التام. هل هذه مقاربة نظريّة؟ ربما، لكنها تبقى أفضل من الطلاق التام!

شارك المقال