الافتاء مستتب انتخابياً والشغور مستحكم مارونياً

لبنان الكبير

…وأسدلت الستارة على المهرجان الرياضي العالمي في قطر حيث كانت النهاية كما البداية، مسكاً لدولة تحدت العالم في التنظيم حتى باتت المعادلة اليوم في صفوف الدول العظمى الطامحة الى استقبال مواسم المونديال المقبلة: السعي الى المحافظة على مستوى مونديال ٢٠٢٢ الذي بغض النظر عن نتائج مبارياته، جاء الفوز بالمرتبة الأولى من دون منازع لدولة قطر التي استحقت كأساً ذهبية باعتراف العالم أجمع.

في هذا الوقت، يتمسك اللبنانيون بقشة ولو وهمية للنجاة. فمنذ انطلاق مونديال ٢٠٢٢ في قطر التي يعوّل عليها في لعب دور مهم على الساحة الداخلية في المرحلة المقبلة، أجمع كثيرون على أن الهم الأساس في المنطقة، المحافظة على الاستقرار وعدم التصعيد على أي جبهة، وأن الكثير من القضايا ستبقى معلقة الى حين تسليم كأس الفوز ببطولة العالم لكرة القدم، الى الفريق الرابح. وبما أن الاستحقاق الرئاسي هو الأهم اليوم، بالنسبة الى اللبنانيين، وبما أن فاعليات المونديال قد انتهت، يسأل البعض: هل ستنجح الدوحة في مسعاها الرئاسي كما نجحت في كثير من التحديات، وآخرها تنظيم بطولة العالم على أرضها؟

أحد المحللين السياسيين لفت الى أن “قطر كانت ولا تزال تلعب دوراً، وتقوم بمبادرات تتعلق بالشأن السياسي اللبناني. وعلى الرغم من أن فترة المونديال كانت للاستراحة، الا أن الزيارات المتعددة التي قام بها مسؤولون لبنانيون الى الدوحة لم تكن تهدف الى حضور المباريات وحسب، انما الشق السياسي كان العنوان الأساس. وهنا لا بد من الاشارة الى أن الدوحة لا يمكنها كما أنها ليست اللاعب الوحيد في الساحة الداخلية، ولا تتخطى الموافقة السعودية أو الغطاء السعودي في أي مبادرة، والمعطيات تقول انها ستعيد تشغيل محركاتها الرئاسية بعد انتهاء المونديال، لكن ضمن حدود معينة. وبدءاً من هذا الأسبوع ربما ستنطلق حركة ما تتزامن مع الحديث عن حوار سعودي – ايراني في بداية السنة المقبلة ما قد يرخي بظلاله على الورقة الرئاسية الممسوكة من ايران التي تقرر انتخاب الرئيس اللبناني وفق التوقيت المناسب لها. مع العلم أن هناك ضغطاً اليوم لانتخاب الرئيس قبل الوصول الى مرحلة الفراغ في المراكز المارونية المهمة كقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، والجميع يعلم دقة هذا الأمر وحساسيته خصوصاً أن بعض الجهات المسيحية يعتبر أن هناك تهميشاً وتعدياً على حقوق الطائفة، والنائب جبران باسيل، يستخدم هذه الوسائل في معاركه السياسية ليبقى في السلطة.

اذاً، تعقد المؤتمرات الاقليمية والدولية، وتتكثف لقاءات قادة الدول الكبرى والفاعلة على الساحة العالمية، فتتجه أنظار اللبنانيين نحو الصالونات الفخمة علها تخبئ في زواياها مفاجأة سارة أو تتطرق المحادثات الى القضية اللبنانية ولو عرضياً، ويتسابقون الى الإطلاع على برامج القمم ومقرراتها وبياناتها علها تحمل بين سطورها حلاً سحرياً، لكن ما لا يريدون الاقتناع به ما تردده عواصم القرار، المثقلة بهموم بلدانها وأزماتها على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية: على اللبنانيين القيام بخطوات جريئة، والمبادرة سريعاً الى انقاذ أنفسهم، حينها يعمد الأشقاء والأصدقاء الى مد يد المساعدة، وغير ذلك “ضحك عالدقون”، والاستمرار في النفق المظلم خير دليل.

ومن قطر، واختتام فاعليات “القمة الرياضية”، تتجه الأنظار يوم غد الى العاصمة الأردنية عمان حيث تعقد القمة الثانية لدول الجوار العراقي التي عرفت بـ “بغداد 2″، وسيشارك فيها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد عام وأشهر عدة على القمة الأولى التي عقدت في بغداد نهاية تموز العام 2021.

وإذا كان لبنان يتغيب عن أعمال القمة، الا أن الجميع في الداخل ينتظر مقرراتها، لأن الملف اللبناني من دون أدنى شك سيكون على طاولتها وفق أحد المتابعين، الذي أشار لـ “لبنان الكبير” الى أن الأردن مثل لبنان بات يعاني من التمدد الايراني، وهناك تقارير أمنية تتحدث عن أن الوضع لم يعد يحتمل لناحية تهريب المخدرات والكبتاغون من سوريا باتجاه الأردن اضافة الى دخول الارهابيين. وبالتالي، ستثير القمة هذا القلق على مسامع ماكرون، ويحاول الأردن تحصين نفسه. وفي هذا السياق، سيتم التطرق الى لبنان نظراً الى تأثير “حزب الله” القوي في الداخل اللبناني كما في سوريا لاسيما ما له علاقة بعمليات تهريب المخدرات. اذاً، سيتم التحدث عن لبنان ضمن سياق محور الممانعة، وتمدد أذرع ايران، وربما التشاور في كيفية تحديد حجم الحزب حتى خارج لبنان. ولا بد من التأكيد، وبعكس ما يقال عن أن فرنسا منشغلة بقضاياها الخاصة وغير مهتمة بلبنان، أن الرئيس ماكرون لن يوفر فرصة إن كان في منتدى عربي أو غربي من دون أن يكون ملف لبنان واحداً من ملفاته الأساسية.

واشنطن تدين الهجوم على “اليونيفيل”

من جهة أخرى، وفيما يؤكد المعنيون أن التحقيقات مستمرة في حادثة مقتل الجندي الايرلندي الذي تسلمت جثمانه الكتيبة الايرلندية من مستشفى حمود في صيدا، وتولت نقله الى بلده بعد حفل التأبين الذي أقيم في مطار رفيق الحريري الدولي، تتوالى المواقف المنددة والمستنكرة، وكان لافتاً ما قاله متحدث باسم الخارجية الأميركية: “إن الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات الهجوم العنيف على جنود حفظ السلام التابعين ليونيفيل. العنف ضد قوات حفظ السلام غير معقول، ويعرض المدنيين اللبنانيين للخطر، وكذلك الاستقرار في جنوب لبنان”. ودعا “الحكومة اللبنانية إلى التحقيق بصورة عاجلة في هذا الهجوم ومحاسبة المسؤولين عنه، ومنع حدوث مثل هذه الهجمات في المستقبل”.

انتخاب مفتين لسبع مناطق

على صعيد آخر، جرت أمس، لأول مرة منذ أربعين عاماً، انتخابات لاختيار مفتين لسبع مناطق هي طرابلس وعكار وزحلة وراشيا وبعلبك – الهرمل، وحاصبيا – مرجعيون، انتهت ولايتهم منذ سنتين. وفتحت الصناديق عند الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً، في حضور ثلثي أعضاء الهيئة الناخبة في كل منطقة، والفائز من نال الأكثرية المطلقة من أصوات المقترعين.

وضمت الهيئات الناخبة في مختلف المناطق، رئيس مجلس الوزراء العامل، ورؤساء مجلس الوزراء السابقين، الهيئة التشريعية والتنفيذية، أعضاء المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى، ونخبة من المجتمع الاسلامي لأهل السنة والجماعة، ومن توجهات سياسية ودينية متعددة.

وفيما أكدت مصادر معنية في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “عملية الانتخاب التي دعا اليها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان ليست معارك انتخابية فعلية، بل تنافس حبي بين العلماء لخدمة أهل الطائفة والبلد خصوصاً أن اهل السنة هم أهل دولة، ولا يرغبون في السطوة الروحية على العمل السياسي”، شدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال الادلاء بصوته في انتخابات مفتي طرابلس والشمال على أن “لا تدخلات سياسية ولا اصطفافات في هذه الانتخابات بأي شكل من الاشكال، وجميع المرشحين لهم منا كل المحبة والاحترام. وستبقى هذه الدار هي الدار الجامعة، ونحن نلتقي من أجل جمع الكلمة، والتنافس هو من أجل الخير حتماً”.

وصادق المفتي دريان على نتائج الانتخابات التي جاءت على الشكل التالي: فاز الشيخ محمد طارق إمام مفتي طرابلس بنسبة 66.40 بالمئة، الشيخ زيد محمد بكار زكريا مفتي عكار بنسبة 45.56 بالمئة، الشيخ علي الغزاوي مفتي زحلة بنسبة 56.60 بالمئة، الشيخ وفيق حجازي مفتي راشيا بنسبة 85.70 بالمئة، الشيخ أيمن الرفاعي مفتي بعلبك – الهرمل بنسبة 65 بالمئة، الشيخ حسن دلي مفتي حاصبيا – مرجعيون بنسبة 80.95 بالمئة.

وهنأ دريان المفتين الفائزين، مؤكداً أن “ما حصل اليوم من انتخابات للمفتين رسالة واضحة لكل القوى السياسية في لبنان أن تسارع الى انتخاب رئيس للجمهورية يجمع بين اللبنانيين ويلتزم الدستور والميثاق الوطني وخصوصاً وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف التي أخرجت لبنان من نفق النزاعات الى رحاب الوطن”.

الراعي: نريد رئيساً يَحمي ظهرَ لبنان وصدَره

الى ذلك، توجّه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الرَّاعي في عظة الأحد إلى أركان السّلطة، قائلاً: “أيّها المسؤولون المدنيّون المتعاطون الشأن السياسيّ، أتدركون أنّ الله في سرّ تدبيره وضع للعالم نظاماً ليعيش الناس والشعوب في سلام، ويتفاهموا ويرعوا شؤون مدينة الأرض، وينعموا بالخير والعدل؟ كفّوا، أيّها النواب ومن وراءهم عن هذه السلسلة من الاجتماعات الهزليّة في المجلس النيابيّ، والمحقّرة في آن لكرامة رئاسة الجمهوريّة من جهة، وللاستفادة من شغورها من أجل مآرب سياسيّة ومذهبيّة من جهة أخرى، فضلًا عن السعي إلى تفكيك أوصال الدولة والمؤسّسات”.

وأكد أن “الشعب يريد رئيساً لا يَخونه مع قريبٍ أو بعيدٍ ولا يَنحازُ إلى المحاور. رئيس يَحمي ظهرَ لبنان وصدَره لا ظهر هذا أو ذاك. فمتى كان ظهر الدولة محميّاً، فظهر كلّ المكوّنات اللبنانيّة يكون محميّاً. رئيس يُطمئنه هو ويَحمي الشرعيّة لتضبط جميع قوى الأمرِ الواقع. رئيس يَعمل مع مجلسِ وزراءَ جديدٍ وفعّالٍ ومُوَحّدِ الكلمةِ، فتعود الحياة الطبيعيّة إلى مؤسّسات الدولة وإداراتها”.

أضاف: “آلمنا للغاية إغتيال الجندي الايرلنديِّ. إنّنا نشجبه وندينه بأشدّ العبارات. هذه الحادثة المأساويّة التي تشوّه وجه لبنان، إنما تستوجب تحقيقاً شفافاً لبنانيّاً وأمميّاً يكشف الحقيقة ويجري العدالة. لقد حان الوقتُ، بل حانَ من زمان، لأن تضعَ الدولةُ يدَها على كلِّ سلاحٍ مُتفلِّتٍ وغيرِ شرعيٍّ وتطبّق القرارِ 1701 نصاً وروحاً لأن تطبيقَه حتى الآن هو انتقائيّ واعتباطيّ ومُقيّد بقرارِ قوى الأمر الواقع، فيما الدولةُ تَعَضُّ على جُرحها، وعلى تقييد قدراتها لصالح غيرها”.

واذ أشار الى “أننا كنّا ننتظر وفداً من بلدة رميش العزيزة الذين يشتكون من التعديات الحاصلة على أراضيهم وعمليات جرف وبناء إنشاءات تقوم بها جهات نافذة في المنطقة”، أهاب بالأجهزة الأمنية “القيام بواجبها في حماية أرزاق أبنائنا وطمأنتهم، وإزالة المخالفات فوراً”.

شارك المقال