الحوار “لهو” سياسي بانتظار الحسم الاقليمي لصراع النفوذ

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لم يفلح اللبنانيون في التوصل إلى حلول لأزماتهم الداخلية، وإن كانت الحوارات التي تكررت منذ الحرب الأهلية قد خففت من التشنجات وسحبت فتائل الفتن أحياناً، إلا أنها بقيت حبراً على ورق ومنها على سبيل المثال لا الحصر “إعلان بعبدا”. أما الحوارات التي حصلت في الخارج من جنيف الى لوزان الى سان كلو فكانت مجرد “لهو” سياسي لم يقدم أو يؤخر، وحتى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وتحول الى دستور الدولة الجديد لم ينجح اللبنانيون في تنفيذه، وتنصلوا من مسؤولياتهم في تطبيق بنوده ورموا الكرة في ملعب الصراع الاقليمي.

كانت مهمة معظم الحوارات التي جرت ما بعد زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وحرب العام 2006 المدمرة، استيعاب التشجنات والتوترات وتنفيس الاحتقان بين طرف وآخر أو طائفة وأخرى، لا سيما بعد تصعيد “حزب الله” الخطاب المذهبي لفرض هيمنته، بخطف الطائفة الشيعية ومن ثم تمكين دويلته عبر تعطيل عمل الحكومات والفراغ الرئاسي واستخدام السلاح وسيلة لتخويف الآخر، حتى أوصلنا مشروعه إلى حكم جهنم حيث لا يزال اللبنانيون يحترقون بنار ما خلّفه “العهد القوي”، من دون أي أمل بالنجاة أو بخلاص قريب.

أخيراً، خرج رئيس مجلس النواب نبيه بري بدعوة جديدة الى الحوار في المجلس النيابي لم يستطع تمريرها في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي بلغت عشرة حتى الآن، وفشلت في ملء الفراغ الرئاسي، ليحوّل مهمة المجلس الذي يقع على عاتقه انتخاب الرئيس والتصويت بالأسماء لا بالورقة البيضاء، مقدماً بذلك خدمة لـ “حزب الله” الذي ينتظر ضوءاً أخضر من مرشده ارتباطاً بمستقبل حواره النووي الذي يبدو أن الولايات المتحدة قد دفنته في الوقت الحاضر نتيجة تعامل النظام الايراني مع الانتفاضة الشعبية بالقمع والاعدام والقتل أمام أعين العالم.

يجمع معظم السياسيين على أن الحوار يخالف منطق المؤسسات، ولا يمكن استبدال عملها بالحوار بين أهل السلطة وتجاهل القوانين، ومع ذلك تراهم يشيدون بالدعوات اليه كأمر واقع، ويتراكضون من أجل التوافق على تأمين الحصص، لكن الحوارات وإن كانت منتجة أحياناً بتهدئة الصراعات ولجم التوترات الا أنها تبقى حبراً على ورق، ويتم لاحقاً التنصل منها. وعلى أية حال فان أي حوار داخلي يأتي نتيجة عجز عن تمرير الاستحقاقات الدستورية لن يتم خلاله التوصل إلى تسوية ما لم يوافق الخارج على أي مقترح للحل.

يرى البعض أن ملء الشغور الرئاسي يتطلب تحرير الدولة من هيمنة قرار السلاح والعمل وفقاً لأجندات خارجية تجعل من لبنان ورقة للمساومة عليها في الصراعات الاقليمية ورهينة وساحة للصراع على النفوذ.

من هنا، فإن أي حوار سواء دعا اليه بري أو غيره لا يمكن أن ينجح وفقاً لشروط طرف ما خصوصاً في ظل الانقسام الحاصل وتأزم العلاقة مع الدول العربية نتيجة سياسات ربط لبنان بالمحور الايراني.

وعليه، لا يمكن أن ينجح الحوار في هذه الحالة فهو مضيعة للوقت والجهد خصوصاً وأنه مطلوب للتلهي كما يبدو، ويقفل باب التنافس الديموقراطي والتوافق على شخصية بعيدة عن الصراعات، وهو ما تحاول فرنسا مع قطر والسعودية وبتفويض أميركي التوصل اليه كما يتردد اعلامياً.

لا يمكن القبول بأن يصبح الحوار سلاحاً لتسجيل انتصارات جديدة من طرف مسيطر على الآخرين، ولو كان المسؤولون في لبنان يتمتعون بذرة كرامة وطنية لما احتكموا لحل أزمة الشغور الرئاسي الا الى الدستور علماً أنهم من افتعلوا هذه الأزمة لغايات في نفس يعقوب، فالدعوة الى الحوار ليست سوى دليل على أن الشغور “طبخة بحص” وخدعة لتضييع المسؤوليات، وحماية طرف يربط نفسه بإيران ويريد رئيساً ينفذ توجهاته.

هذا الشغور المفتعل، قد يمتد أشهراً وربما سنوات، وعملياً تتعطل الرئاسة والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، أي الانهيار التام للدولة والمؤسسات والذهاب نحو حكم احتلال أو انتداب ايراني، ولا أحد يفكر في الناس والجمهور والشعب وحتى في البيئة الحاضنة للسلاح. وعليه، فان الأوضاع ستتدهور والكوارث ستزداد، طالما أن الارتباطات الخارجية للمافيا الحاكمة تمنع اعتماد السياسات التي تنقذ لبنان وتجعله يقف على قدميه من جديد ويعمل وفق مصالحه وأجندته الوطنية، بدل الاحتراق أكثر فأكثر في جهنم حسابات الأدوار والنفوذ.

شارك المقال