بتوقيت السلطة: هذا ما فعله الرئيس الراحل طائفياً!

عاصم عبد الرحمن

السنَّة والشيعة اتفقوا علينا، المسيحي لا يعجبه العجب، فخار يكسر بعضه، غيض من فيض عبارات طائفية يتلفظ بها أبناء بلد الرسالة الذين يتغنون بطوائف لبنان الـ 18 وتميزهم بالتعددية الطائفية والمذهبية وغيرها في الوطن العربي. فهل أزمة التوقيت الصيفي رمانة سقطت من شجرة الانهيار الكبير أم أن القلوب ملآنة؟

وكأن اللبنانيين لم يكتفوا بالصراعات الطائفية طوال أكثر من 15 عاماً إبان الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975 وما خلفته من مآسٍ مادية ونفسية لم يكادوا يخرجون منها بعد حتى يُغرقوا أنفسهم في أتون صراعات طائفية لا طائل منها، كان آخرها أزمة التوقيت الصيفي التي أثارت ردوداً في غير محلها وعلى أعلى المستويات الروحية والسياسية والاعلامية التي اعتبرت أن الإبقاء على التوقيت الشتوي خلال شهر رمضان المبارك إنما يجعل من لبنان جزيرة معزولة عن الكرة الأرضية في الوقت الذي يسير فيه العالم نحو الأمام.

لا شك في أن خطوة الرئيس نجيب ميقاتي وبتشجيع من الرئيس نبيه بري أسوةً بما أقدم عليه المغرب لا تغني ولا تسمن من جوع حل الأزمات التي تعصف بلبنان، فالمسلمون الذين اعتادوا الصوم بحدود الـ 17 ساعة عندما يصادف شهر رمضان في شهرَيْ تموز وآب، لن يجدوا صعوبة في صيام 12 ساعة هذا الشهر، فكان حرياً بالسلطة البحث عن حلول تؤدي إلى مواجهة فحشاء الغلاء الذي يعانيه اللبنانيون، المسلمون والمسيحيون عوض التعبير عن سذاجة في التفكير وسهولة في الغرق عميقاً في ألاعيب السلطة التي غالباً ما تبحث عما تأخذ الشعب إليه بعيداً عن طريق المشكلة الأساسية في البلاد وهي ترك أمر العباد يزداد سوءاً.

كان حرياً أيضاً بالمراجع الروحية التي ثارت ضد خطوة التوقيت ألا تضيع بوصلة ميدان ثورة الدفاع عن حقوق الجائعين الذين ينتمون إلى مختلف الطوائف. كما كان حرياً ببعض الاعلام الذي خاطب فئة من اللبنانيين على أنها المسؤولة عن انعزال لبنان تقنياً أن يرفع صوته في زمن الشدائد التي تعصف بالجميع على السواء. وكان حرياً بالأحزاب اللبنانية كذلك أن تثور من أجل إنهاء الشغور الرئاسي عوض صب زيت الطائفية على نار الفرقة اللبنانية.

بدا واضحاً أن لبنان لم يُشفَ بعد من جراح الطائفية وهو ما يعبّر عنه عند كل استحقاق يعكس سذاجةً في التفكير وجعل الموضوع قضية تنتقل كالنار في هشيم النقاش غير السوي بين اللبنانيين.

وفي إطار دمج السياسة بالطائفية واستخدام الطائفة لمآرب مصلحية قال جبران باسيل يوماً “اننا لم نعد أمام عيش مشترك في ظل رفض كتل نيابية كبيرة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وحرمان قوي الطائفة من تقلد مقعدها الدستوري الأول”. إلا أن ما قاله رئيس جمهورية راحل لأحد أبناء منطقته في مجلس خاص كان أكثر خطورة: “أنا لست طائفياً ولكن عند تراجع شعبيتي أخبر جماعتي بأن المسلمين سيمزقون الانجيل فيثورون ويلتفون حولي، كذلك يفعل رئيس الوزراء الذي يتهم المسيحيين بتمزيق القرآن فيثور المسلمون ويلتفون حوله”.

هكذا هي السلطة مهما علا شأنها تجعل أولياءها يدهسون قيمهم من أجل حفنة من مناصب، وهكذا هي الشعوب تثار وتسير معصومة العيون خلف ألاعيب زعمائها فتغرق في دهاليزهم.

إذاً بين العيش المشترك بين طوائف لبنان ومذاهبه، والعيش المشترط الذي تفرضه كل طائفة على أخرى فإما تسلك طريق خياراتها وإما تصنّفها طائفية انعزالية متخلفة لا يمكن لها أن تعيش معها تحت سقف وطن واحد، وطنٌ لا تزال الطائفية زاد شعبه وقوت ساسته من أجل الاستمرار على رأس السلطة تحت شعار حماية حقوق الطائفة، شعبٌ يثور في حال مواجهة أي فاسد ينتمي إلى طائفته ليس لمحاربة الفساد وإنما لدرء الأخطار عن الطائفة برمتها.

رمضان غنيٌ عن ساعة زائدة أو العكس شهرٌ ويمر ويتابع الصائمون حياتهم، لكن الوطن ليس غنياً عن أبنائه فهم بناة مستقبله، والمصيبة تكمن في غبائهم حين يساقون خلف قوقعة قروية، عشائرية أم غير ذلك والمصيبة الأكبر أنهم يرفعون شعار اللحاق بالعالم وعدم الانعزال، فبأي رسالة يتفاخرون؟

شارك المقال