هل يمنح الذهب أمان الليرة المفقود؟

سوليكا علاء الدين

لم تسلم معظم دول العالم من براثن الأزمة الاقتصادية المستشرية التي لا تزال تفتك بها حتى اليوم جراء انتشار فيروس كورونا وتبعاته السلبية على الاقتصاد العالمي، مروراً بالنزاعات الجيوسياسية والصراعات المتنقّلة والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وصولاً إلى تعثّر المصارف في الولايات المتحدة الأميركية وانتقال عدواها إلى بعض المؤسسات المصرفية الأوروبية، ما دفع أصحاب الدولارات المخبّأة الى الهروع إلى شراء الذهب المستمر في رحلته التصاعدية. ففي شهر آذار 2023، إرتفعت أسعار الذهب في البورصة العالمية من 1836 دولاراً إلى 1969 دولاراً للأونصة الواحدة، أي بنسبة ارتفاع بلغت 7.2 في المئة على مدار جلسات التداول، وذلك بسبب تفاقم أزمة “سيليكون فالي” وانهيار بعض المصارف العالمية، الأمر الذي أدّى إلى زيادة الطلب على الذهب للتحوّط من أزمة القطاع المصرفي.

وعلى وقع هذه التحديات ومع غياب الاستقرار وتضارب التوقعات حول آفاق التقدم والنمو المستقبلية وسيطرة حالة عدم اليقين بشأن نهاية الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، تُطرح أسئلة عديدة حول “الذهب” كوسيلة أنسب وخيار أمثل من أجل الحفاظ على قيمة الأموال والثروات بحيث تتعدّد الآراء وتتباين المواقف ما بين مؤيّد ومعارض. غير أنّ عدداً كبيراً من الخبراء يُجمع على أن الاستثمار المادي للذهب هو خيار ثاقب من أجل الحصول على محفظة متوازنة، كونه بعيداً عن تقلبات الضرائب والتضخم وتدهور العملة. كما أنّ فترة الأزمات الراهنة تتطلّب الاحتفاظ الآمن بقيمة الأموال وليس زيادة الأرباح، وبالتالي فإنّ استثمار الذهب هو الوسيلة الأفضل، لا سيما أن المعدن الثمين يُعدّ أحد الأصول الأفضل أداءً ويتّجه الى تحقيق أفضل أداء شهري له في أكثر من عامين ونصف العام. وتشير التوقعات إلى استمرار تسجيل الذهب مستويات عالية جديدة، الأمر الذي يجعله الملاذ الآمن في مختلف الظروف والفترات لا سيما لأولئك الذين يريدون الاطمئنان الى أموالهم وعدم الشعور بالخوف من خسارتها.

فهل ينطبق ذلك على الوضع الراهن في لبنان، البلد الذي يعاني انهياراً اقتصادياً شاملاً وارتفاعاً مفرطاً في معدل التضخم وغلاء المعيشة من جهة، وانعدام الاستقرار السياسي واستمرار الفراغ الرئاسي وغياب السياسات والخطط الهادفة الرامية إلى إنقاذه من جهة أخرى؟ وهل يُمكن للمعدن الأصفر أن يمنح اللبنانيين جرعة من الأمان النفسي والمادي بعد أن فقدوا الثقة بالدولة وحكامها وعملتها ومصارفها ومؤسساتها وأسواقها؟

منذ سنوات والاقتصاد اللبناني يصارع للبقاء على قيد الحياة بعدما قطّعت الأزمة شرايين حياته الأساسية وقضت على قطاعاته الحيوية وشلّت عجلة نموّه. ولم تسلم الليرة اللبنانية المنكوبة من شظايا هذا الانهيار بحيث كانت لها حصّة الأسد بعد أن فقدت ما يقارب الـ95 في المئة من قيمتها ليفقد معها المواطنون جنى أعمارهم وتجعلهم عاجزين عن تأمين قوتهم اليومي وأبسط احتياجاتهم الأساسية. والأخطر من ذلك، هو فرض المصارف قيوداً على عمليات السحب والتحويل واتهامها بسلب الناس أموالهم ومدخراتهم المودعة فيها من دون أي تعويض ما زعزع ثقتهم بالقطاع المصرفي وأفقدهم شعورهم بالاستقرار والأمان. ومع فقدان الثقة بهذا القطاع، تحوّلت منازل المواطنين إلى “مصارف ذاتيّة”، من أجل تخبئة فُتات ما يحصلون عليه من أموالهم ومدخراتهم المحتجزة. وبعيداً عن المصارف التي فقدت قدرتها على جذب المودعين لتخزين المال، لجأ الكثير منهم الى البحث عن ملاذات آمنة علّهم يستطيعون تأمين القليل من الأمان وتجنّب أي خسارة محتملة قادمة.

في دردشة سريعة مع أصحاب بعض محال الصاغة والمجوهرات، يؤكّد بائعو الذهب تزايد الاقبال على شراء الليرات والأونصات تحديداً لا سيما بعد أزمة المصارف في الولايات المتحدة. فالطلب على المعدن الأصفر يزداد يوماً بعد يوم نتيجة ارتفاع سعره المستمر بحيث يتهافت الموطنون على شرائه في ظل استمرار الموجة التصاعدية وتوقع ارتفاعات جديدة قد تصل إلى الـ2500 دولار للأونصة. ومع تضاعف الطلب على الذهب، تفاقمت المبيعات بصورة كبيرة إذ شهد السوق حركة غير اعتيادية ونشط الطلب الاستثماري ليُصبح أكثر من العرض المُتوافر، ما دفع بالكثير من الراغبين في شراء المعدن الثمين إلى دفع “عربون” من أجل حجز حصّتهم وضمان الحصول على الذهب فور توافره.

مع تهافت اللبنانيين على شراء الذهب، يُثبت المعدن الأصفر أنه الملاذ الأكثر أماناً وحمايةً للمستقبل وسط الأزمة المتواصلة، إذ يُتيح لهم بقاء أموالهم في متناول أيديهم ويجعلها خاضعة لسيطرتهم الوحيدة ليبقى الذهب عملة الأمان الوحيدة في زمن اللاأمان.

شارك المقال