لهذه الأسباب على فرنسا أن تسكت!

عاصم عبد الرحمن

بعد مرور ثمانين عاماً على استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، يبدو أن الفرنسيين يحلمون بالعودة إلى ممارسة نوع آخر من الانتداب على لبنان سياسي – إقتصادي تحت عناوين الصداقة والاصلاح والتغيير، فهل حنَّ الشعب اللبناني الى خبز أمه الحنون؟

دغدغ تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020 شعور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل عودة فرنسية إلى لبنان لممارسة دور سياسي يقوده إلى تحقيق مصالح اقتصادية أبرزها التحاصص في التنقيب عن النفط، سريعاً حطت طائرته في بيروت متوجهاً بلغة توبيخية شديدة اللهجة إلى الطبقة السياسية، محمّلاً إياها مسؤولية ما آلت إليه أحوال البلاد والعباد السياسية والاقتصادية وغيرها.

أطلق الضيف الفرنسي شعارات إصلاحية في السياسة والاقتصاد والمؤسسات، وتغييرية في حق السياسيين والمتربعين على عرش السلطة حملت الشعب اللبناني على التفاؤل حيال تحقيق التغيير الذي أنشدته في ساحات 17 تشرين 2019 حتى بلغ ببعض اللبنانيين حد المطالبة بعودة الانتداب على اعتبار أنه أكثر رحمة من الطبقة الحاكمة.

في قصر الصنوبر وحيث أُعلنت دولة لبنان الكبير في 1 أيلول 1920، اجتمع ماكرون بفريق السلطة القائمة ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية، اعتقد اللبنانيون للوهلة الأولى أنه سيضعهم في إطار تحييدهم عن الحكم إفساحاً في المجال أمام دم سياسي جديد يُضخ في شرايين الدولة المهترئة علها تعود تدريجاً إلى الحياة، لكن سرعان ما تبددت أحلامهم عند تعبير رئيس الدولة الفرنسية عن استيائه الكبير حيال الطبقة الحاكمة، داعياً إياها إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية، وكُلف على الأثر السفير مصطفى أديب تشكيل حكومة أريد لها أن تكون مستقلة وحيادية ذات اختصاصيين تدحرجت شروط شكلها تباعاً مع دخول ماكرون في لعبة السلطة التي دفعت الرئيس المكلف في نهاية المطاف إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة بغير شروطها.

راح المسؤولون الفرنسيون يفاوضون أركان السلطة على إجراء الإصلاحات تارةً، ثم يجتمعون بممثلي المجتمع المدني وقوى الثورة طوراً، فقد انتقلت فرنسا إلى خيار انتزاع كتلة نيابية تدور في فلكها وتحقق مشروعها القاضي بإجراء تغييرات في النظام السياسي الذي اتفقت على ملامحه مع كل من “حزب الله” وإيران حيث تطمح إلى نيل حصة استثمارات في أسواقها عقب رفع العقوبات الأميركية عنها.

ومع سقوط مشروع نيل كتلة نيابية، انتقل الفرنسيون إلى تكتيك عقد اجتماعات دولية وإقليمية وعربية تناقش خلالها الأزمة اللبنانية علها تنجح في فتح كوة في جدارها المتصلب بقيت جميعها أسيرة البيانات التهدوية.

على مضض، وافق الفرنسيون في بيان مشترك صدر عن اجتماع لممثلي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية على ضرورة التزام الطائف نظاماً سياسياً للبنان.

أما اليوم وبعد سقوط المشاريع الفرنسية كافة في لبنان، فسلكت فرنسا خيار تعويم السلطة وعلى خط الشغور الرئاسي دخلت في محاولة لتحقيق إنجاز سياسي ما، فأطلقت مبادرة اعتقدتها تسووية نسقتها مع قيادة “حزب الله” قوامها انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في مقابل تكليف السفير نواف سلام تشكيل الحكومة إرضاءً للجانب السعودي وإدخاله شريكاً مؤازراً في التسوية المطروحة، رفضت السعودية وصوّبت الولايات المتحدة سهامها عبر فرض عقوبات على شخصيات مقربة من المرشح الرئاسي سليمان فرنجية في رسالة واضحة حيال الطرح الفرنسي.

وبما أن الأميركيين قرروا السير خلف السعوديين حول الخيارات الرئاسية المطروحة في لبنان على اعتبار أن تحقيق الإنقاذ المالي والاقتصادي لن يتم إلا عبر البوابة السعودية، من هنا حاول الفرنسيون اقناع السعوديين بخيار فرنجية عبر تقديم ضمانات تتعلق بقضية السلاح والاستراتيجية الدفاعية والعلاقة مع سوريا وغيرها سرعان ما أسقطتها صواريخ “حماس” التي أطلقتها من الجنوب اللبناني تجاه اسرائيل والتي لا شك في أن “حزب الله” كان يعلم بها على اعتبار أنه صاحب الميدان.

إذاً، عقدت فرنسا العزم على تبني منطق الصفقات السياسية والمقايضات المصلحية مع طرف دون سواه على اعتبار أنه الأقوى داخلياً ما يؤمن نجاح مشاريعها خارجياً وهو ما أدى إلى فشلها الذريع وسقوطها المدوي، إذ إنها غرّدت خارج السرب اللبناني الواقعي وتخطت رغبات الأكثريات اللبنانية الطائفية والسياسية.

في العام 1943 دعمت فرنسا صديقها إميل إده في الانتخابات الرئاسية ففاز بشارة الخوري على الرغم من أن المجلس النيابي كان منتخباً إبان الانتداب، فكيف السبيل أمام الفرنسيين لتحقيق مشروعهم في ظل طبقة حاكمة تمارس الجنون السياسي؟

شارك المقال