السودان ينزلق إلى الفوضى

حسناء بو حرفوش

في ظل الفوضى المتزامنة مع المفاوضات التي تعصف بمدينة الخرطوم منذ الأحد 23 نيسان، ليس واضحاً ما إذا كان الديبلوماسيون الأجانب يخططون للعودة إلى السودان قريباً. وهذا طبيعي نظراً إلى أن البلاد تشهد حالة من الرعب والاقتتال بين رجال العصابات، والعالم يحاول الفرار منها.

لكن الهجرة من السودان تعكس أيضاً حقيقة أكثر قتامة، فالعالم لم يبذل حسب قراءة في موقع “إندبندنت”، سوى جهود فاترة ومتأخرة لوقف القتال ومساعدة السودانيين. واليوم، تجد البلاد التي بدت قبل بضع سنوات فقط على شفا انتقال ديموقراطي طال انتظاره، عالقة بدلاً من ذلك، في حرب أهلية كارثية. وفي حال لم يتم إيقاف انزلاق السودان إلى حرب شاملة قريباً، فإن المبدأ الذي يحكم عمليات الاجلاء الدولية سيتحول إلى قاعدة عامة.

وتمثل الحرب الحالية انعكاساً مريراً للثورة السودانية التي اندلعت في العام 2019، عندما ساعد البرهان وحميدتي في الاطاحة بالبشير بعد أشهر من الاحتجاجات الضخمة ضد النظام، بدا الأمر وكأنه فرصة نادرة لتأمين انتقال ديموقراطي غير عنيف في القرن الأفريقي. علاوة على ذلك، كانت شجاعة الناس العاديين ومثابرتهم إحدى الموروثات الباقية للثورة السودانية. لقد كان نشاطهم السلمي هو الذي أسقط النظام في نيسان 2019، وظلوا صامتين في وجه مذبحة ارتكبتها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بحق أكثر من 120 متظاهراً بعد شهرين، مما أجبر البرهان وحميدتي على الموافقة على حكومة انتقالية مع رئيس وزراء مدني سيؤدي في النهاية إلى انتخابات حرة.

وحتى بعد انقلاب 2021، جعلت شجاعة الشعب السوداني، في ظل الاحتجاجات المستمرة مما يسمى بلجان المقاومة، استحالة على الجنرالات المطالبة بالشرعية.

لكن هؤلاء المدنيين كانوا وحيدين في الساحة… فعلى الرغم من أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين عبّروا عن إعجابهم بالديموقراطيين في السودان، إلا أن دعمهم كان فارغاً. في تموز 2019، قبل أسابيع من توليه منصب رئيس الوزراء في الحكومة المدنية، قال الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك إن أمامه بضعة أشهر فقط لوضع حد للأزمة الاقتصادية المتنامية في البلاد، وهو ما سيحتاج الى القيام به لكسب النفوذ السياسي. وفي محادثة للصحيفة في ذلك الوقت، قال إنه لا يريد أن ينتهي به الأمر بصفته أمين الصندوق الذي يدير الأمور في متجر زاوية، بينما يبرم زعماء العصابة صفقات المخدرات في الغرفة الخلفية. في الواقع، وقفت القوى الغربية مكتوفة الأيدي إلى حد كبير بحيث تم اختزاله إلى هذا الحد بالضبط.

عندما أدى حمدوك اليمين، وجد أن إدارة (دونالد) ترامب قد فوّضت سياستها بشأن القرن الأفريقي إلى حلفائها المفضلين في الشرق الأوسط. ولم يرغب أي من الفاعلين في هذه الأنظمة في رؤية ثورة ديموقراطية في العالم الناطق بالعربية، بل فضلوا جميعاً التعامل مباشرة مع جنرالاتهم المفضلين. من جانبها، لم ترفع واشنطن العقوبات أو تخفف عبء الديون، وهي الاجراءات التي ربما تمنح حمدوك مصداقية استقرار الاقتصاد والنفوذ لتفكيك المجمع التجاري العسكري، وبدلاً من ذلك، دعمت مقايضة بحيث التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبرهان، وانضم السودان إلى اتفاقات أبراهام، وألغت الولايات المتحدة تصنيفها للحكومة السودانية كـ “دولة راعية للإرهاب”، ثم رفعت العقوبات في الأيام الأخيرة لادارة ترامب.

وفي أحدث التطورات، تجددت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في محيط القصر الرئاسي ووسط العاصمة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، في ظل تجدد الحديث عن موافقة طرفي الصراع على تمديد الهدنة لمدة “72 ساعة، بدءاً من موعد انتهاء سريان اتفاق وقف إطلاق النار الحالي في منتصف هذه الليلة، وذلك بناء على وساطة أميركية – سعودية”، وفقاً لبيان للجيش السوداني. وارتفع عدد القتلى في صفوف المدنيين إلى 425 والمصابين إلى 2091 منذ بداية المواجهات، حسب ما أفادت نقابة أطباء السودان.

شارك المقال