كيف يؤثر وضع السودان على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

حسناء بو حرفوش

لطالما شكّل السودان مصدر حيرة بالنسبة الى الباحثين والأكاديميين خصوصاً لناحية موقعه الجغرافي ونطاق تأثيره، فهل يؤثر في جنوب الصحراء أو شمال شرق أفريقيا أو في الشرق الأوسط أم في القرن الأفريقي؟ وفي كل الأحوال، أثر هذا البلد تاريخياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجالات كثيرة وبطرق متعددة مثل التاريخ الاقتصادي والقومية والثقافة السياسية والاسلام الراديكالي والحركات الاجتماعية بقيادة الشباب.

التاريخ الاقتصادي والتبعية

تجادل قراءة في موقع المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط (IEMed)، بأن مزيجاً من محسوبية الدولة والتبعية الاقتصادية والطبقة السياسية المنقسمة لم يشكل سياسات الدولة فحسب، بل أثر أيضاً على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وشهد السودان في العام 1821 نقطة تحول في تاريخه الحديث، عندما غزا محمد علي باشا، البلاد بحثاً عن الموارد الطبيعية والبشرية. وشاركت مصر على مدى عقود خلال القرن التاسع عشر، على نطاق واسع في استعمار السودان كمنطقة هامشية واعتمدت سياسات استخراج المعادن والمنتجات الزراعية لتلبية برنامج “التصنيع القسري”. وتسببت السياسات القاسية والقمعية بالبؤس للسكان المحليين، ما أدى الى نشوء مناخ سياسي للتمرد، بلغ ذروته بطرد القوات الاستعمارية عام 1885، إيذاناً ببدء عهد دولة إسلامية مهدية. بعد ذلك بأعوام، أدت المشاريع الاجتماعية والاقتصادية التي قام بها البريطانيون إلى ظهور طبقة متعلمة ذات روابط قوية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بعد الاستقلال في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، لعب السودان دور الوسيط، وخلال الخمسينيات والستينيات استضاف طائرات عسكرية مصرية، وأرسل كتائب للقتال إلى جانب الجيش المصري في أعقاب حرب حزيران 1967 ضد إسرائيل ولعب دوراً رئيساً في إنهاء الحرب الباردة العربية في العام نفسه. وبقي السودان مرتبطاً بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ السبعينيات، ولكنه عانى بسبب فشل سياسات التأميم في العام 1970، وتأثير استخدام النفط كسلاح في الحرب العربية – الاسرائيلية في أكتوبر 1973، من جملة عوامل أخرى، من تفاقم الصعوبات الاقتصادية في السودان كما وضع حكم الضباط الإسلاميين المتطرفين الذي استمر 30 عاماً من العام 1989 حتى العام 2019 والبلاد على خلاف مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما زاد من إضعافها ومن تعزيز مكانتها التابعة وتحويلها إلى ساحة لتدخلات القوى الإقليمية والدولية.

أمة في حالة من الإنفصال الداخلي

لطالما عاش السودان حالة من النزاع منذ منتصف الخمسينيات، بحيث أن تضخيم الهوية العربية والتقليل من أهمية الطابع الأفريقي شكلا عاملاً رئيساً في تنفير الأعراق الأفريقية التي حملت السلاح منذ الأيام الأولى للاستقلال في الخمسينيات للمطالبة بالحكم الذاتي في دولة اتحادية. وفشلت النخبة الحاكمة في إدارة التنوع العرقي والثقافي والديني في البلاد، وبالتالي زرعت بذور الصراع العنيف والحرب الأهلية المطولة التي انتهت بانفصال جنوب السودان في العام 2011 وتركت أجزاء أخرى في صراعات عنيفة مع النخب الحاكمة.

وشجع انفصال جنوب السودان الجماعات العرقية الاقليمية الأخرى على المطالبة بتقاسم السلطة والثروة مع مركز السلطة، كما يتجلى في اتفاقية جوبا للسلام لعام 2020، الموقعة بين حكومة الخرطوم وعدد من الحركات المسلحة، التي لم تنضم كلها إلى صفقة السلام التبادلية هذه.

ويحمل العديد من الجماعات المسلحة والميليشيات السلاح في المناطق النائية. وبالنظر إلى الجغرافيا السياسية للسودان، تعبر هذه الجماعات والميليشيات الحدود وتتجول في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، ما يزيد المخاوف بشأن العلاقات مع الجماعات الارهابية والعزم على نهب الموارد المعدنية. علاوة على ذلك، يعتبر السودان معبراً وممراً للهجرة إلى أوروبا. كل هذا البؤس ضاعف من التحديات التي تواجه الطبقة السياسية الممزقة والمقسمة منذ الاستقلال والتي تفتقر الى القيادة الفاعلة.

الثقافة السياسية والطبقة السياسية المنقسمة

يترجم تشابه ملحوظ بين سياسات السودان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (لبنان وتونس وليبيا حالياً، إلخ…) في الطبقة السياسية الممزقة وعدم الاستقرار. وتعود هذه الميزة الهيكلية في السودان إلى أيام السياسات البريطانية واتبعت الحكومات ما بعد الاستقلال خطى الاستعمار واعتمدت على الائتلافات والتحالفات التي جمعت بين القوى التقليدية والمحافظة وطبقة البرجوازية الشمالية الأكثر حداثة وتعليماً.

ومن السمات البارزة لفشل الحكم الديموقراطي المتكرر في السودان التحالف الهش للفصائل/ الجهات الفاعلة الشمالية مع الاقليم. وتشكلت هذه الائتلافات الحاكمة من خلال توازن غير مستقر من التنازلات بين السياسيين المتنافسين وأسر وفصائل النخب الحاكمة الشمالية التي تتنافس باستمرار مع بعضها البعض.

ويمكن إرجاع تأثير السودان على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ما قبل فترة طويلة من حصوله على الاستقلال، فقد تفككت البلاد تحت وطأة فشل الطبقة السياسية في توحيدها والاسلاموية وتركت مناطق شاسعة لتعلق في صراع عنيف. لا شك في أن بوادر فشل الدولة في السودان سيترك تأثيراً سلبياً على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لذلك، يبذل أصحاب المصلحة في هذه المنطقة الجهود لمكافحة العنف. وبالتوازي مع إعادة تشكيل الافتراضات الثقافية والسياسية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سيبقى السودان جزءاً مهماً من هذا اللغز بغض النظر عن الخطط الاقليمية والعالمية لخريطة جديدة قيد الاعداد”.

شارك المقال