نقولا الصحناوي… “تفقيس بيض” في “أوتوكار باسيل الطائفي”

زياد سامي عيتاني

النائب نقولا الصحناوي، ذاع صيته كوزير “سوبر” من سلسلة وزراء “التيار العوني – الباسيلي” الذين تعاقبوا على وزارة الاتصالات.

هذا اللقب استحقه عن جدارة عالية وكفاءة بالغة، لما حقّقه وأنجزه طيلة فترة توليه الوزارة، ليس على صعيد تطوير شبكة الاتصالات وتحديثها، وإدخال المزيد من الأجيال عليها، ولا على صعيد تفعيل الخدمات وخفض كلفتها، ولا على صعيد زيادة مداخيل الخزينة من القطاع الأكثر ربحية اقتصادياً في كلّ دول العالم، إنّما إنجازاته العظيمة التي تذكر من دون أن تشكر (!) تكمن في ما حقّقه بتفوّق قلّ نظيره، في فترة ولايته في الوزارة بين الأعوام 2011 و2014، من فساد منظّم وممنهج، وصفقات، وتلزيمات بالتراضي، وسمسرات، وتزوير، وتجديد عقود، وتوظيفات سياسية، وتعدٍ على الصلاحيات وإستغلالها، ومعارك “دونكيشوتية” مع عبد المنعم يوسف، تأثراً بملهمه “جبران” في إطلاق الحملات الشعبوية، صوناً وإنتزاعاً لحقوق المسيحيين التي جعلها “وقفاً ذرياً” حكراً عليه وعلى أزلامه من المنتفعين والنافعين له.

فالسجل “الذهبي” لانجازاته الوزارية في التسبّب بهدر مليارات الدولارات على الدولة اللبنانية والخزينة العامة، الذي يستحق دخوله موسوعة “غينيس”، عن تسجيله أرقاماً قياسية غير مسبوقة في نهب المال العام وتراكم ثروته، حافل بالفضائح المتعدّدة الأبعاد، التي لا ينطبق عليها شعار تياره السياسي “ما خلونا”.

ولأنّ إنجازاته “الجهنمية” تحتاج إلى موسوعات ومطولات، نضيء على غيض من فيضها، على سبيل التذكير، لمن خانته ذاكرته المزدحمة بكثافة تلك الانجازات:

– ثبّت قرار نقل النفقات التشغيلية من عاتق شركتي الخلوي “ألفا” و”تاتش”، إلى عاتق الدولة اللبنانية، (كان حجم الكلفة عام 2010، 243 مليون دولار، وبات في عهده 346 مليون دولار، أي بزيادة 103 ملايين دولار).

– التوقيع على عقد بالتراضي مع شركة “سافيكو”، المملوكة لأشخاص ينتمون الى “حزب الله” (على قاعدة المثل المصري “شيلني لشيلك”)، وذلك بعد إستقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فعمد إلى تزوير تواريخ إبرام تلك الصفقة، التي لزّم بموجبها للشركة التخابر الدولي الصادر والخارج من لبنان بقيمة 200 مليون دولار، خلافاً للقوانين، على الرغم من معرفته المسبقة بعدم مراعاتها أنظمة الاتصالات في لبنان!

– تجديده عقود العقارات والمحطات وشركات الصيانة (بعضها وهمي) والمملوكة من شركاء له ولمشغله جبران.

– توقيعه عقداً بالتراضي مع شركة “هواوي” عام 2013 بقيمة 85 مليون دولار، بحيث نص على تركيب 300 محطة بث بكلفة 50 ألف دولار للمحطة الواحدة، أي ما مجموعه 15 مليون دولار، من دون أن يسأل: “أين تبخرت الـ 70 مليون دولار؟”.

ولكي يتمكّن من تحقيق كل هذه الانجازات، كان لا بدّ له من الاستعانة بأصحاب الخبرة من المتخصصين، لكي يرشدوه إلى خفايا النهب والافساد وزواياهما، فتعاقد مع شركات لرعاية النشاطات والاستشارات، التي كلّفت الوزارة مليوناً و200 ألف دولار في العام الأول، ثمّ مليوني دولار في العام اللاحق، علماً أن قيمتها قبل توليه حقيبة الاتصالات كانت 283 ألف دولار!

…ولأن الفترة الوزارية “الصحناوية” ما فاحت منها إلا رائحة الفساد والهدر والنهب والصفقات، مقابل صفر مكعب من النجاحات، فإنّ الوزير “السوبر”، وبهدف إستجداء إنجازات “وهمية”، عمد إلى إطلاق مسابقة تستهدف الشباب حملت عنوان “كن الوزير”، تطلب من طلاب الجامعات ذكر عشرة إنجازات لوزارته (!) متناسياً أنّ هذه الفئة العمرية من “الجيل الرابع”، هي الأكثر استخداماً لتكنولوجيا الاتصالات، وتعاني الأمرين جراء أسوأ خدمة انترنت وأغلى كلفة تخابر.

إنصاف الوزير “السوبر”، يقتضي وفي سياق تناول أجزاء من سيرته الوزارية الفضائحية، أن نتوقف ولو على عجالة، عند مساهمته من موقعه الوزاري، في توفير الحماية لقتلة الشهيد اللواء وسام الحسن، بأمر مباشر من مشغل “معلمه” جبران، الحاج وفيق صفا، عندما رفض تزويد الأجهزة الأمنية بـ “داتا” الاتصالات، متذرعاً بخصوصيتها ليغطي القتلة ويحميهم، ومسح كل معلومات الاتصالات المتعلقة بالجريمة، حتى لا تكون بحوزة الأجهزة، ليضيف إلى معاليه لقب “الاجرام” إلى جانب باقي الألقاب، التي تزيّن سيرته الفاسدة.

هذه الصفات الوزارية التي تحلى بها الصحناوي، أكسبته ثقة ورهان رئيس التيار “البرتقالي” وريث “العونية” جبران باسيل، الذي رشّحه عن المقعد الكاثوليكي في دائرة بيروت الأولى، خلال انتخابات العام الماضي، مستفيداً من قانونها “المسخ”، بهدف تعزيز حضوره البيروتي، في مواجهة أخصامه ومنافسيه على الساحة المسيحية، لا سيما وأنّ الصحناوي ينحدر من سلالة عائلية أرستقراطية عريقة، ضاربة جذورها في عمق منطقة الأشرفية البيروتية، ما يمكن باعتقاد باسيل أن يضفي على لائحته إندفاعة، تعزز من حظوظ زعامة “جمهورية دائرة بيروت الأولى”.

بدوره، فإنّ الصحناوي (المغرور بإرثه العائلي وبتمايزه الثقافي والسلوكي والاجتماعي “المتفرنج”)، وجد ضالته في تبني باسيل ترشيحه، لتأكيد زعامته العائلية والمناطقية، في مواجهة منافسه ابن عمه أنطوان (عقدته) صاحب النفوذ والسطوة الواسعين على الأرض، وهو لا يقل عن إبن عمه غروراً وتبجّحاً، (أنشأ في الفترة الأخيرة عصابة من “البلطجية” تحت مسمى “جنود الرب”، تعبّر عن تعصّبه وتطرّفه الديني، بغطاء إيماني كهنوتي)، كما أن ترشح نقولا الصحناوي للنيابة، ستكون أيضاً بالنسبة اليه فرصة ثمينة للثأر من عمه والد أنطوان، الذي أطاح بوالده من بنك “سوسيتيه جنرال”.

إنّ تماهي أنطوان الصحناوي مع “القوات اللبنانية”، دفع إبنَ عمه نقولا الى تبني خيار سياسي إلى جانب “التيار الوطني الحر”، بل كان ينسج علاقات مع بعض النخب العلمانية مثل جورج قرم وشربل نحاس، غير أنّ تماهي “غريمه” أنطوان مع “القوات” وعلاقته المتينة مع النائب نديم الجميل، دفعه الى تبني خياره السياسي إلى جانب “التيار العوني”، ليشكل غطاءً ورافعة له في مواجهة خصمه أنطوان، كما إنتهج خطاباً طائفياً لا يخلو من العنصرية التمايزية، في محاولة منه لبناء ثقة كانت مفقودة مع أبناء الأشرفية، بعدما كانوا قد شنوا حملة عنيفة عليه، لما كان يدور في فلك بعض العلمانيين.

هذه “التكويعة” لنقولا الصحناوي لم تكن كافية لطمأنة باسيل على مرشحه، لقناعته بضعف جماهيريته في منطقته، ما دفعه الى دق أبواب إبن عم مرشحه القوي في الدائرة الأولى أنطوان، فأبرما إتفاقاً إرتكز على تبادل المصالح (!) بأن يتعهد أنطوان بدعم ابن عمه نقولا، مقابل دعم باسيل لمرشح أنطوان في الدائرة جان طالوزيان، وبالتوازي يتعهّد جبران بوقف الضغط القضائي على مصرف “سوسيتيه جنرال” من خلال الايعاز الى القاضية غادة عون بذلك. ولوحظ أنّ أي اجراء قضائي لم يتخذ منذ ذلك الوقت بحق الصحناوي.

وبالفعل، سجّلت فترة الانتخابات حينها سلاماً تاماً بين لائحة التيار ولائحة الصحناوي. وقيل حينها إنّ أنطوان وعد جبران على هامش الـ”deal” بينهما، بمساعدته في موضوع العقوبات الأميركية المفروضة عليه منذ العام 2020 لما له من علاقات وطيدة على المستوى الأميركي.

ولاستكمال “عدة” الحملة الانتخابية لنقولا الصحناوي، بهدف “تلميع” صورته، تركّزت الحملة من جهة على كل الهجمات على “لائحة التغيير”، ومن جهة أخرى على “القوات اللبنانية”، وما تبادل التراشق بالبيانات والتهم بين الصحناوي ومرشح “القوات” عماد واكيم الا دليلاً على ذلك.

وتبقى نقطة أساسية في سياق هذا العرض من الضرورة الاشارة إليها، تتمثّل في عزوف الوزير والنائب السابق ميشال فرعون صاحب الشعبية والخدمات في الدائرة عن الترشح، ما اعتبر عاملاً إضافياً لفوز نقولا الصحناوي بالمقعد الكاثوليكي، بحيث أنّ غياب فرعون، جعله “يتفرعن”، ما دفع أهالي الأشرفية الى تسميته “فرعون التايواني”.

أما وقد اجتمعت عوامل الحظ على فوز نقولا الصحناوي بمقعده النيابي، وإلتحاقه بـ “أوتوكار” كتلة باسيل، وبعدما قارب العام على نيابته، فإنّ من حق ناخبيه عليه، خصوصاً وأنهم منحوه ثقتهم، أن يطلعوا على ما حققه من إنجازات على الصعيد النيابي، لا سيما وأنّ مسيرته الوزارية كانت حافلة وزاخرة بالانجازات المعاكسة والمناقضة لشعار “الاصلاح والتغيير”، بل لبّت وخدمت الأطماع “الباسيلية” وجشعها، لا بل نهمها الى مضاعفة النهب للمال العام (!) وبعد عملية مراجعة دقيقة ومعمّقة لأدائه النيابي، (التي لم تستغرق أكثر من بضع دقائق)، لخلوّها من أيّ عمل تشريعي واقتراح قانون أو سؤال موجّه الى الحكومة، ولا حتى موقف سياسي، ما عدا تكرار و”اجترار” مواقف “التيار” الشعبوية نفسها التي كانت تحاول الدفاع عن “العهد القوي” والدفاع المزعوم عن حقوق المسيحيين، بعدما حوّل ما تبقى من المسيحيين إلى متبعين و”ذميين” سياسيين، وأضاع دورهم الوطني، فانّ الأمانة التاريخية توجب، الاضاءة والاشادة بالمبادرة الوطنية المبجّلة، التي أطلقها الصحناوي بعد فترة وجيزة على تفجير مرفأ بيروت (إعتبر أن هدفه تهجير المسيحيين) لتثبيت المسيحيين في لبنانهم، وهي المبادرة اليتيمة التي أطلقها منذ أن اختار ممارسة العمل السياسي، وأقل ما يقال فيها إنّها استخفاف بالعقول وضحك على النّاس، تمثّلت في مبادرة “كلّ يوم بيضة”، في خطوة اعتبر أنّها قد تساهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف باللبنانيين، وبالتالي تحقق الاكتفاء الذاتي والمقاومة الاقتصادية، غير آبه لسخافته ولـ”المسخرة” والافلاس الفكري والسياسي لتياره السياسي، الذي كان مؤسّسه يشغل منصب رئاسة الجمهورية.

ولم تتوقف به الحماقة السياسية عند هذا الحد، بل وصل به الأمر إلى ذكر أن “ناكازاكي” و”هيروشيما” اللتين قصفتهما بقنابل ذرية الولايات المتحدة، هما مدينتان تضمان أكبر عدد من المسيحيين في اليابان، التي لم تسلم حتى من روايات “التيار الوطني الحر” وخرافاته وعصبياته، التي ينسجها أركانه، لتأجيج المشاعر الطائفية ونشر ثقافة الكراهية.

بعد كلّ هذا السجل البارز للنائب نقولا الصحناوي، لم يعد مستغرباً أن يصبح “التيار الوطني الحر” متقوقعاً في “قن”، الدائرة الأولى من الأولى، بعدما حوّل لبنان بأسره إلى مزرعة بالتكافل والتضامن مع الطغمة السياسية، ينتظر أن تبيض له طيور الفري كلّ يوم بيضة كفاف يومه.

كان الله بعون لبنان ومن لم يهاجر من المسيحيين من “تفقيس صيصان التيار البرتقالي”.

شارك المقال