“أسعد”… كوميدي بنكهة الحلويات الطرابلسية

زياد سامي عيتاني

غيّب الموت أمس واحداً من أبرز الشخصيات الكوميدية في لبنان، الذي إحتل مكانة خاصة في ذاكرة اللبنانيين خلال عقود من الزمن.

انه الفنان الراحل عبد الله الحمصي “أسعد”، ذلك الاسم الفني، الذي رافقه طيلة حياته الفنية، حتى أن كثراً من اللبنانيين لا يعرفون إسمه الحقيقي.

عبد الله الحمصي، إسم لمع في عالم التمثيل، فكانت له أدوار مميزة طبعت أثراً محبباً في نفوس اللبنانيين وأبرزها شخصية “أسعد” في مسلسل “أبو سليم الطبل”، الذي كان أحد أبرز أركانه، ومساهماً أساسياً في نجاح فرقة “أبو سليم” وإستمراريتها إلى جانب الفنان الراحل محمود مبسوط “فهمان”، بحيث عاصرت أجيال متتالية أعمال تلك الفرقة عبر شاشة “تلفزيون لبنان”، حتى باتت من ثوابته مع كل دورة برامج جديدة، نظراً الى النجاح الباهر الذي حققته.

تميز الحمصي بخفة دمه، وطيبته، وعفويته في تأدية شخصية “أسعد”، التي ميزتها النسيان بسرعة. لم يكن يحتاج إلى بذل جهد لتظهير الشخصية التي لازمته طيلة مسيرته الفنية، فقد كان شديد الصدق في تأديتها بانسيابية، حتى ظنّ كل من شاهده، أنه لا يمثل، بل يعبّر عن شخصيته الحقيقية، خصوصاً أنه منذ نعومة أظفاره، عشق الفنّ والتمثيل، وبدأت موهبته تظهر إلى العلن في سنّ الخامسة عندما شارك في أول عمل مسرحيّ له، على خشبة مسرح “مدرسة الزهرية الرسمية للصبيان” في طرابلس. كذلك كان يهوى الرياضة إلى جانب الفن، فمارس رياضة كمال الأجسام وفاز ببطولة الشمال في العام 1955، اضافة الى السباحة، التي تمرّس بها جيداً حتى حقق الفوز في مسابقة سباحة من القلمون إلى الميدان، حين اضطر الى السباحة حوالي 3 ساعات ونصف الساعة.

لم يقتصر إهتمامه الفني على التمثيل والمسرح والتلفزيون، إنما كان يهوى الفولكلور والتراث أيضاً، فتعلّم طريقة الأداء الابداعي بالسيف والترس، بالاضافة إلى أداء الزجل اللبناني، المعنّى والعتابا والميجانا وغيرها.

نشأته:

من مواليد طرابلس شمال لبنان، في العام 1937. ولد في كنف أسرة مؤلفة من 10 أولاد ووالديه.

تابع دراسته في مدارس طرابلس، وخاض تجربة التمثيل حين كان لا يزال في سن المراهقة.

اضطر الى ترك المدرسة، قبل تقديمه إمتحانات الشهادة المتوسّطة، لمساعدة والده في عمله في صناعة “القشدة”، التي تشتهر بها طرابلس، كمادة في حلوياتها المشهورة. إلا أن هذا الأمر لم يمنعه من الاستمرار في التمثيل ولو بطريقة خفية عن والده.

مشواره الفني:

بدأ مسيرته الفنية في الخامسة عشرة من عمره، حين شارك في الأعمال المسرحية لفرقة “كشافة الجراح الفنية”، التي كان يرأسها في تلك الفترة الفنان صلاح تيزاني. ومنها إنطلق في مشوراه الفنيّ، بحيث إختار الأدوار الكوميدية، إذ كان همّه الوحيد رسم البسمة على وجوه سكّان الشمال.

واشتهر عبد الله الحمصي بدور “أسعد القرويّ” الذي عكس طيبة أهل الشمال وأخلاقهم، فنال إعجاب الجمهور وحصدت شخصيته نجاحاً كبيراً.

في العام 1957، أسهم في تأسيس فرقة خاصة بعنوان “كوميديا لبنان”، وبعد 3 سنوات، أسس أيضاً “فرقة الفنون الشعبية” التي ضمّت العديد من المواهب الشابة، وقامت بتقديم عروض فنية متنوّعة.

في العام 1966، وبعد تقديم مسرحية على مسرح مدرسة “الفرير” في طرابلس، توجّهت الفرقة التي عرفت لاحقاً باسم “فرقة أبو سليم الطبل” إلى “تلفزيون لبنان”، حيث تمّ قبولها لتقديم عروض مباشرة على الهواء. وكان عبد الله أحد أعضاء هذه الفرقة التي حصدت إعجاب الجمهور.

“صبحك بونجور ستنا بيروت”:

إضافة إلى شخصية “أسعد”، أطل الحمصي على المشاهدين بشخصية القروي الذي وصل إلى المدينة جاهلاً تقنياتها الحديثة وتطورها، وكان يردد في كل حلقة عبارة “صبحك بونجور ستنا بيروت”، التي أصبحت جملة شائعة لعقود.

وفتح مسلسل “دويك يا دويك” التلفزيوني باباً للشهرة للممثل عبدالله الحمصي، اذ كان يناقش التناقض بين عادات الريف والمدينة، وينتقد الكذب والرياء والسرقة والخداع في المدينة، بينما حياة الريف تتمتع بشيء من المصداقية.

مشاركاته السينمائية:

جسد أيضاً أدواراً بارزة في أكثر من 15 فيلماً، منها فيلما الأخوين رحباني والفنانة فيروز “سفر برلك” و”بنت الحارس”، وكذلك في مجموعة كبيرة من الأفلام، منها “غيتار الحب” (1973) لمحمد سلمان، و”نهلة” (1979)، و”زنار النار” (2004) لبهيج حجيج.

الفنان عبد الله الحمصي الذي قدم ما يزيد عن 1700 ساعة تلفزيونية، والعديد من المسرحيات خصوصاً للأطفال، بالاضافة إلى الحلقات الاذاعية، يصح أن يحمل بجدارة لقب “المعلم” لأنه من مؤسسي ورواد المسرح والتلفزيون في لبنان.

شارك المقال