ماجدة الرومي… تغرس سنابل الأمل وترفع لشباب لبنان بيارق العِلم

سوليكا علاء الدين

لأنّ العلم نور والنور لا يستطيع أحد إطفاء وهجه ما دام يستمدّ شعاعه وبريقه من يد كريمة وروح معطاءة وقلب مُفعم بالخير وحب الآخر، فكيف إذا كانت هذه اليد وهذه الروح وهذا القلب يحملون في طيّاتهم أبهى صورة وأرقى مُختصر لمعنى الانسانية؟ تلك اللغة التي لا يُجيدها إلاّ أصحاب الأيادي البيض التي تمنح من دون منّة والقلوب الطيبة والنقية التي تُبادر من دون مقابل… اللغة التي تُتقنها وبكل جدارة سفيرة العطاء والانسانية والنوايا الحسنة، السيدة ماجدة الرومي.

ولأن العلم كان ولا يزال وسيبقى الشُعلة المُلتهبة التي لا تنطفئ والمصباح المُتوهّج الذي يضيء العقول الجاهلة ويُنير النفوس الضعيفة ويُشعّ طرق الحياة القاتمة بالأمل والرجاء والتفاؤل في غد أفضل قادم لوطن أصبح مُثقلاً بالهموم والمآسي، يصارع فيه أبناؤه من أجل البقاء على قيد الحياة. فرياح الأزمة التي تعصف بلبنان، خيّمت بظلالها الثقيلة على القطاع التعليمي – ركيزة البلد الأساسية وشريان حياته – فأثقلت كاهل الطلاب وذويهم حتى أصبح العلم لمن استطاع إليه سبيلاً، وأضحت متابعة الدراسة وتحصيل الشهادات الجامعية حلماً صعب المنال للكثير من الشباب اللبناني. شبان وشابات من مختلف الفئات والأعمار وجدوا أنفسهم في طوابير هجرة بائسة راكضين وراء أحلامهم المُشتتة، مُجبرين على مغادرة حضن وطنهم الذي بات يفقد رويداً رويداً ثروته الغنية وحصنه المنيع وقلعة صموده ومدماك تقدمه وتطوره.

ولأنّ العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها وبه تعلو راية الأمم، ومن أجل لبنان ومستقبل شبابه، وفي مُبادرة انسانية سخيّة من سيدة واسعة العطاء، منحت ماجدة الرومي صوتها مُجدّداً لدعم العلم في لبنان. فعلى مدى سنوات من الابداع والتألق، جسّدت مسيرة الماجدة مثالاً يُحتذى به للعمل الخيري والتطوعي، وهو ليس بالأمُر المستغرب على من جنّدت موهبتها في خدمة العلم والشباب والمجتمع. ففي تموز العام 2012، أهدت الماجدة الطبعة الأولى من ألبومها الغنائي “غزل” إلى الجامعة الأميركية في بيروت وعاد ريع بيع النسخ إلى صندوق المنح الطلابية في الجامعة لتمويل دراسة الطلاب المحتاجين، بالاضافة إلى وجود صندوق خاص باسمها لدعم الطلاب. وفي العام 2016، لبّت الرومي نداء جامعة بيروت العربية وأحيت في الرابع من حزيران حفلاً موسيقياً ضخماً دعماً لصندوق طلبة الجامعة. أما في آذار العام 2022، فقامت بإحياء أمسية غنائيّة على مسرح “الأرينا” في جامعة عمّان الأهليّة – الأردن، وقدّمت ريعها لدعم الطالب الأردني المحتاج.

وبالأمس، استكملت ماجدة الرومي وبلهفة كبيرة رحلتها الانسانية في وطنها الأم داعمةً صندوق طلاب جامعة “سيدة اللويزة” من أجل مساعدة الطلاب والمحافظة على جودة التعليم العالي. وكما روح العطاء تُضيء الكون، أضاءت الماجدة سماء الجامعة في احتفالية خاصة ومميّزة طغى عليها سحر صوتها ورقيّ حضورها وحرفيّة أدائها وجمال انسجامها. وبفستان أحمر ملوكي وإطلالة مهيبة وابتسامة رقيقة، أطلّت على عُشّاقها ومُحبّيها الذين تهافتوا من كل أرجاء الوطن شوقاً للقائها بعد غياب قسري فرضته جائحة كورونا وأزمات لبنان اللامُتناهية، فخفقت قلوبهم حباً وهتفت حناجرهم طرباً وتمايلوا فرحاً على أنغام باقة من أغنياتها مزجت فيها عبير الزمن الأصيل برونق الزمن الحديث.

الماجدة التي حرصت في التمارين الخاصة بحفلتها، على توجيه الشكر إلى أعضاء فرقتها الموسيقية وجوقة سيدة جامعة اللويزة، لمؤازرتهم لها في هذا العمل التطوعي، كانت قد استهلّت أمسيتها بكلمة وجدانية نابعة من القلب عبّرت فيها عن وجع الإنسان والوطن قالت فيها: “الانسان ما بيقدر يكون انسان إلاّ بالمحبة إنّما صعب تحكي محبة لما نكون عم نحكي عن علاقتنا مع مسؤولين، وبحدّد بالذات المتورّط منن بدمنا ودموعنا، وهنّي سامعين صريخ وجعنا وشايفين بأي مصيبة نحنا ومش سئلانين، كأنو هنّي مسؤولين بغير مطرح أو مسؤولين عن حالهم، صعب نحكي محبة والأصعب نفهم كيف الناس فضيوا من انسانيتن، واللي خانوا الشعب، واللي وصلّونا لهون”. وتابعت: “الأرض ما تخافوا عليها معها وقت ترجع، لبنان عمرو أزل ومعه وقت يسترجع قرارو الحر المصادَر وطوى كل الاحتلالات وهيك بيقول التاريخ. بعرف في وقت بدو يجي، والشعب اللبناني جبّار لما بينلوي ما بينكسر ولما بيوقع ما بيركع ولما بيقولوا استسلم ما بيستسلم بيفضّل يموت… ما تخافوا عالأرض ما تخافوا وقف السماء لبنان”.

السيدة التي لطالما تغنّـت بلبنان الحلم، لبنان “الهدايا بالعلب”، لبنان وطن النور والحب الذي ليس فيه حقد، لم تتوانَ يوماً عن محاكاة معاناته في أغنياتها، فكانت الصوت الذي حضّ الشعب المقهور على الثورة وتحدي الظلم والتمرد وكسر الصمت، وأعلى راية الأحرار، وأسمع أنين الأطفال والمحرومين، الصوت الذي دعا لبنان إلى الصمود وأقسم بأن نبقى لأننا وأرضنا والحق أكثرية. ولكي يبقى لبنان بلداً عزيزاً وفخوراً بشبابه صدحت الماجدة بصوتها من أجل رفع بيارق العلم، فأثبتت من جديد أنها مقدامة في حبّها لوطنها، عظيمة في عطائها، رائدة في انسانيتها، وفنانة مُبدعة في رسم أجمل وأبهى لوحات المحبة والأخوة والتضامن، وهي على قدر ما تحترف الفن والغناء، تحترف الانسانية بكل معانيها وأبعادها وتؤمن بأن الفن مرآة المجتمع يحمل رسالة سامية لا بدّ من إكمالها حتى الرمق الأخير، بحيث تدأب دوماً وانطلاقاً من واجبها الوطني والأخلاقي ودورها الثقافي والفني على الحفاظ على لبنان ومجتمعه وشبابه. وفي تلك الليلة المُعطّرة بالحب والشوق والسلام، شدت الماجدة بصوتها الآسر الذي زرع سنابل خير في بساتين الوطن اليابسة وبذور أمل في نفوس شبابه اليائسة، مؤدّية رسالتها بكل نجاح وإتقان وبراعة.

أرزة من أرزات لبنان الشامخ ولكل أرزة حكايتها وتاريخها، وها هي ماجدة الرومي تخط اليوم فصلاً جديداً في حكايتها المُزخرفة بعطاء لا حدود له ووجُود لا مثيل له، وتنسجه بخيوط ذهبية لامعة مُحاكة بالحب والخير والفرح ليبقى شذا عطرها فوّاحاً على دروب الانسانية ومُمجّداً في صفحات التاريخ الخالدة.

فأينما وُجد الخير وأينما وُجد العطاء وأينما وُجدت الانسانية … وُجدت سيدة أصيلة من بلاد الأرز الراسخ إسمها ماجدة الرومي. وللماجدة التي غمرت قلوب اللبنانيين بفيض كرمها ودفء أحاسيسها ونُبل مشاعرها وبلسمت آلامهم في عز محنتهم، ألف تحية شكر وألف عربون تقدير ومحبّة.

شارك المقال