عادل امام واعتزال اللعب مع الكبار

رحاب ضاهر
رحاب ضاهر

لم يكن الجمهور ينتظر تصريحاً “رسمياً” من رامي امام ابن الفنان الكبير عادل امام أنه “ابتعد” عن الفن ليتفرغ لأسرته، خلال تكريمه في مهرجان “جوي اوردز” في العاصمة السعودية الرياض يوم السبت الماضي، وعلى الرغم من ذلك تحول هذا التصريح “القصير” لرامي امام عن والده الى حدث فني “ضخم”، فقد تصدر اسم الزعيم عادل امام “الترند” ثلاثة أيام متتالية ولا يزال حتى الاَن متصدراً في الدول العربية، مع أن خبر اعتزاله كان متداولاً منذ أكثر من سنتين بعد غيابه عن الساحة الفنية منذ 4 سنوات، إذ كان آخر أعماله الفنية مسلسل “فلانتينو” في 2020. ولكن هذا التأكيد الرسمي من أحد أفراد العائلة شكل ما يشبه “الصدمة”، فعادل امام ليس بالفنان العادي الذي يمر خبر ابتعاده أو اعتزاله الفن مرور الكرام، هو الذي استمرت مسيرته الفنية لأكثر من ستين عاماً، لم يكل خلالها ولم يمل من الفن، بل استطاع خلال هذه العقود الستة أن يتواصل مع الأجيال المتلاحقة وأن ينتزع الابتسامة والضحكة رغم أنوفنا أحياناً كثيرة، حتى وان كان قدم في كثير من الأحيان أعمالاً دون المستوى أو ليست بالجودة المتوقعة منه، لكن “كاريزما” عادل امام كانت قادرة على أن تضحك الجمهور كثيراً، ويصبح مع مرور الوقت مرتبطاً بذاكرة خمسة أجيال متعاقبة وأشبه برمز وطني ليس في مصر وحسب، بل في العالم العربي. ويكفي ارتباط اسمه ومسرحياته بالأعياد، اذ أصبح من العرف أن تعرض في عيدي الفطر والأضحى مسرحياته على القنوات العربية وخصوصاً مسرحيتا “مدرسة المشاغبين” و”الواد سيد الشغال”، بينما في السنوات الأخيرة أصبح عيد ميلاده حدثاً “وطنياً” بامتياز.

هذا الارتباط بعادل امام من “الجماهير” العربية لم يأت من فراغ، فهو حالة فنية متفردة قد تتكرر كل مائة عام، وقد لا تتكرر والدليل أنه بقي متربعاً على زعامة الكوميديا كل هذه العقود من دون أن ينافسه أحد لا من الكبار ولا من الصغار، بل كانوا يدورون في فلكه محاولين منافسته، لكنه بقي الزغيم الأوحد الذي ينافس نفسه بنفسه.

من الصعب حصر أسباب ارتباط الجمهور بفنان والتصاقه بذاكرتهم ووجدانهم وكأنه أحد أفراد عائلتهم، لكن أهم ما عزز زعامة عادل امام في قلوب الجمهور ملامسته للطبقات الشعبية التي استطاع تجسيدها بعمق شديد عبر الشخصيات التي قدمها في أفلامه لتنطبع في ذاكرة الجمهور، ولعل أبرزها شخصية بهجت الأباصيري في “مدرسة المشاغبين” و”إبراهيم الطائر” في مسلسله “أحلام الفتى الطائر”، عام 1978، ويعتبر هذا الدور علامة فارقة في تاريخه الفني، وحسنين البرطوشي في “المتسول” والمحامي حسن سبانخ في فيلم “الافوكاتو” وغيرها الكثير والكثير من الأدوار التي لا يمكن نسيانها. وعلى الرغم من أن عادل امام اتهم في فترة من الفترات بأنه أصبح المتحدث باسم الحكومة في زمن الرئيس الراحل حسني مبارك، وتضارب مواقفه السياسية مع ما قدمه في أعماله الفنية، الا أن عادل امام بقي النجم الشعبي الذي خاطب كل فئات المجتمع المصري والعربي، وتحول كثير من أقواله ومشاهده في أعماله الفنية الى ما يشبه الحكم والأمثال الشعبية التي تجري على ألسنة الناس ويتم الاستشهاد بها في كثير من المواقف اليومية التي تصادفهم.

اعتزال عادل امام وغيابه عن المشهد الفني لا يعني اسدال الستار على مسيرته الفني، فهو صاحب مدرسة كوميدية، وحده تلميذها وأستاذها، اذ لم يستطع أي فنان كوميدي أن يكون امتداداً لعادل امام سوى عادل امام نفسه الذي اعتزل اللعب مع الكبار.

شارك المقال