لبنان: غموض في المستقبل الاقتصادي وتوقعات دون المستوى

هدى علاء الدين

تحظى توقعات النمو باهتمام كبير في لبنان لا سيما أنها تعكس مدى تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي فيه. ومع ذلك، تبقى هذه التوقعات عرضة للتغيير بناءً على التطورات الاقتصادية والسياسية في كل مرحلة خصوصاً في ظل التقلبات الكبيرة التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة ولا يزال حتى الآن نتيجة الأزمة المالية العميقة التي أدت إلى انهيار اقتصاده.

وفي هذا الاطار، أظهر استطلاع أجرته وكالة “بلومبرغ” عن آفاق الاقتصاد اللبناني، مع خبراء ومحللين اقتصاديين مستقرّين في لبنان وخارجه خلال شهر أيلول 2023، توقعات بنمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في لبنان بنسبة 0.3 في المئة في العام 2023، مقارنة مع 0.6 في حين تراوحت توقعات المحللين الفردية لنسبة النمو في العام 2023 بين -2 و+2 في المئة، الأمر الذي يعكس تباين الرؤية حيال مستقبل الاقتصاد اللبناني.

كما أشار الاستطلاع، الذي نشره التقرير الأسبوعي لمجموعة “بنك بيبلوس”، إلى توقعات بأن يبلغ معدل التضخم 199.3 في المئة في العام 2023، مقارنة بـ 157.8 في المئة في مسح حزيران 2023، في حين من المتوقع أن يتراوح معدل التضخم بين 204 و280 في المئة في العام الجاري. كذلك توقّع الخبراء الاقتصاديون أن يبلغ معدل العجز في المالية العامة 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023، مقارنة بتوقع سابق عند 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يبلغ معدل العجز في الحساب الجاري 16.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023، مقارنة بـ 22.5 في المئة في حزيران الماضي.

تأتي هذه التوقعات في إشارة إلى استمرار التباطؤ في وتيرة التعافي الاقتصادي الذي لا يزال يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك الأزمة المالية والاقتصادية التي بدأت منذ فترة طويلة وأدت إلى انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، الأمر الذي أسهم في زيادة أسعار السلع الأساسية فضلاً عن عدم وجود أي تقدم ملحوظ في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي. وفي ظل التوقعات باستمرار ارتفاع معدلات التضخم عام 2023، فإن هذا الارتفاع سيؤدي إلى مزيد من تراجع القوة الشرائية للمستهلكين وزيادة معدلات الفقر والبطالة. أما العوامل المساهمة في ارتفاع عجز المالية العامة فترجع إلى استمرار تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع الإنفاق الحكومي، إذ من المتوقع أن يؤدي ارتفاع عجز المالية العامة إلى زيادة الدين العام اللبناني، وزيادة الضغط على المالية العامة وزيادة عدم الاستقرار الاقتصادي.

حتى اليوم، لا يزال الوضع الاقتصادي في لبنان محاطاً بالكثير من التحديات التي تجعل من الصعب تحديد مسار معين له أو التنبؤ بمستقبله الاقتصادي بدقة، خصوصاً وأن الاستقرار الاقتصادي يتطلب إجراءات حزمة واسعة من الاصلاحات لاستعادة الثقة وإعادة بناء البنية الاقتصادية المتضررة. ومع تقلبات الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، من المتوقع أن تبقى معدلات النمو في دائرة الضبابية في الفترة القريبة إلى حين توافر العوامل التي تحقق النمو المستدام.

شارك المقال