كنز لبنان البحري… آمال بانفراجة اقتصادية

سوليكا علاء الدين

بعد مرور أقل من عام على الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية جنوب لبنان، بدأت في آب الماضي وفي خطى مُتسارعة عمليات البحث والتنقيب عن الغاز والنفط في البلوك رقم 9. الخطوة التي طال انتظارها لسنوات، يعتبرها البعض فرصة ذهبية لإنقاذ لبنان من براثن أزمته الاقتصادية والمالية ولاعادة النشاط إلى عجلة التنمية المُتوقفة. ويترقّب اللبنانيون خلال الأسابيع القليلة المقبلة نتائج الحفر لا سيما مع إعلان وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض عن “تقدّم ملموس” من شأنه أن يؤدي الى الوصول خلال 30 يوماً إلى اكتشاف بترولي في الرقعة رقم 9.

إذاً، لبنان دخل رسميّاً نادي الدول النفطيّة بحيث من المُتوقّع أن ُيحقّق استخراج هذه الثروة الموجودة في عمق البحر انفراجات اقتصادية جمّة خصوصاً في حال وجود كميات تجارية، شرط معرفة كيفية ادارتها بالصورة السليمة واستثمارها بالطريقة الصحيحة. المعلومات الأوليّة تُبشّر بأنّ الخير قادم وتُشير إلى وجود كمية كبيرة من الاحتياطات المتوقّعة، والتي تُطرح معها الكثير من الأسئلة حول قُدرة لبنان على الافادة من ثروته النفطية لا سيما في ظل غياب معايير الحوكمة والمحاسبة والشفافية واستشراء الفساد والتخوف من إغراق الملف النفطي في الدهاليز السياسية والمحسوبيات الخاصة والضيقة.

حسب الأرقام الصادرة عن وزارة الطاقة والمياه، تتراوح حصة لبنان في حال تمّ اكتشاف النفط ما بين ٥٤ في المئة و٦٣ في المئة بعد حسم الأكلاف التشغيلية والرأسمالية، في حين تذهب النسب المُتبقية الى الشركات المتعاقدة على الاستكشاف والانتاج في الرقعتين 4 و9. أمّا عن ثروة لبنان الغازية والنفطية، فأشارت الدراسات الأولية إلى تقديرات هائلة، بلغت حوالي 96 تريليون قدم مكعب من الغاز و900 مليون برميل من النفط، أي بنحو 600 مليار دولار كعائدات ناجمة من الغاز وحوالي 450 مليار دولار كعائدات نفطية.

ومن أجل الافادة من هذه العائدات الماليّة المُتوقّع أن يجنيها لبنان، يتوجّب أوّلاً وجود تخطيط هادف ونظام إدارة مُنصف وشفاف يضمن إبعاد القطاع النفطي عن دائرة الصراعات والأطماع الداخلية والخارجية ويُتيح استغلال جميع موارده بكفاءة وفاعلية عالية لاعادة دفع مُحرّكات النمو الاقتصادي المنهار ومُؤازرة مختلف القطاعات للنهوض من كبوتها، وبالتالي المساهمة في تحقيق نهضة اقتصادية شاملة. فاغتنام الفرصة من الثروة النفطية لا سيما في حال استخراج كميات تجارية من شأنها أن تُعيد التوازن والاستقرار إلى الاقتصاد اللبناني، بحيث تكمن أولى آثارها الايجابية في معالجة أزمة القطاع الكهربائي عبر تطوير البنى التحتية المتآكلة وإنشاء معامل جديدة ومحطات توليد طاقة تستخدم الغاز الطبيعي بغية زيادة ساعات التغذية وتوفير كلفة استيراد مواد المحروقات للكهرباء.

أضف إلى ذلك، الاسهام في رفع معدلات الناتج المحلي الاجمالي ومُساعدة البلاد في تقليص الدين العام والعجز المتراكم في الموازنة العامة عبر توفير الموارد المالية اللازمة. كذلك العمل على تأمين ايرادات إضافية للدولة وتحسين قدرتها على الانفاق لسداد مستلزماتها، إلى جانب جذب الاستثمارات الضخمة وإدخال العملة الصعبة وعودة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية والحد من تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية. كما أنّ دخول لبنان عصر النفط والغاز من شأنه أن يلعب دوراً مهماً في تقدّم تصنيف لبنان الائتماني وعودة الثقة العربية والدولية إليه، فضلاً عن التقليل من الاستيراد والاعتماد على الانتاج المحلي ورفع الانتاجية ناهيك عن خلق فرص عمل جديدة وانخفاض معدلات البطالة وغيرها الكثير من الانتعاشات الاقتصادية.

عمليات الحفر تتواصل على قدم وساق بانتظار صدور دخان النفط الأبيض. فالكنز إن وُجد – بكميات تجارية – سوف يُحقق إكتفاء لبنان الداخلي ويعمل على درّ الأموال إلى خزينة الدولة من خلال تصدير الفائض إلى الخارج. غير أنّ هذا الأمر يتطلّب تعاوناً وتآزراً على الصعيدين السياسي والاقتصادي لتمهيد الطريق أمام استرجاع دور لبنان وإعادة الحياة إلى الشعب اللبناني. وعلى الرغم من الآمال المعقودة، إلّا أنّ انعدام ثقة اللبنانيين بالطبقة الحاكمة وتحميلها مسؤولية إيصالهم إلى الجحيم، يرفع منسوب الخوف من محاولات هدر عائدات هذا الكنز وسرقتها من دون النجاح في حل أي من مُعضلات أزمة البلاد الاقتصادية، وبالتالي ضياع الثروة المُترقّبة وعدم انتهاز الفرصة الواعدة في زواريب المناكفات السياسية والتحاصصات الطائفية والأطماع الداخلية والخارجية.

شارك المقال