“عودة المياه إلى مجاريها” شمالاً… بانتظار حلّ الخلاف الثلاثي

إسراء ديب
إسراء ديب

يخشى الشماليّون وخصوصاً أهالي طرابلس تفاقم الخلاف القائم بين وزارة الطاقة والمياه، مؤسسة مياه لبنان الشمالي ووزارة الماليّة، فمنذ أيّام عاش الشمال لحظات عصيبة بعد قيام مؤسسة “كهرباء لبنان” بتنفيذ ما أنذرت به من قطع للكهرباء بسبب “تخلّف الادارات والمؤسسات العامّة المتخلّفة عن تسديد الفواتير”، والتي بلغ جزء منها ما يفوق الـ 12 مليون دولار أميركي كعائد لإصدار التوتر المتوسط (MT) عن شهري 11 و12 من العام 2022 وفق بيان المؤسسة، إضافة إلى مستحقّات ستصدر قريباً عن العام الجديد والتي سيتحمّل تداعياتها المواطن الذي بات مجبراً على دفع ثمن المياه بأسعار تعجيزية، أيّ أنّه مضطر لتمويل المورد الحيوي الذي لا يُمكن أن تعتبره أيّ مؤسسة رسميّة “سلعة” للمتاجرة بها.

صحيح أنّ مؤسسة “كهرباء لبنان” اعتبرت في بيانها الذي صدر منذ أيّام، أنّ “الكهرباء هي سلعة ينبغي تسديد ثمنها من مستهلكيها كافّة”، إلا أنّها لم تتردّد لحظة في تنفيذ قرارها “المجاز قانوناً” والذي أصرّت عليه فعلياً بدءاً من يوم 24/10 بالتدريج، وعلى الرّغم من حاجة المواطنين الماسّة إلى هذا المصدر الحيوي، حجبت الكهرباء عن المؤسسة الشمالية ما غيّب المياه عن المنازل الطرابلسية والشمالية التي ناشدت المعنيين ضرورة التدخل للحدّ من هذه المعضلة المستمرّة، لا سيما في مدينة طرابلس التي يُعاني أساساً الكثير من مناطقها من هذه المشكلة العصيبة منذ أعوام.

ومنذ ساعات، عادت “المياه إلى مجاريها” بعد تمديد مهلة تسديد الفواتير المترتبة على الادارات والمؤسسات العامّة شهراً واحداً فقط، وذلك عقب تدخل طارئ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لحلّ هذه الأزمة التي “تلقّى بسببها اتصالات دعته إلى التدخل فوراً في الموضوع وتحمّل مسؤولية أي فوضى قد تحصل مع انقطاع المياه عن طرابلس” وفق معطيات “لبنان الكبير”.

ولفتت هذه المعطيات إلى أنّ تدخل ميقاتي تُرجم عبر السعي إلى إيجاد حلّ ولو كان مؤقتاً للأزمة وتأجيل حلّها النهائي والصارم ريثما يجد المعنيّون بها مخرجاً لائقاً وملائماً لكل الأطراف، ولهذا السبب دعا ميقاتي إلى اجتماع في السراي ضمّ وزيري المال يوسف خليل والطاقة والمياه وليد فياض، حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، المدير العام للماليّة جورج معراوي، المدير العام لـ “كهرباء” لبنان كمال حايك، ومستشار رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس، “وتمّ الاتفاق على عقد اجتماع يوم الثلاثاء المقبل في وزارة المالية بين الوزارة ومؤسسة كهرباء لبنان لمعالجة قضية دفع مستحقات الدّولة للمؤسسة ودفع مستحقات المؤسسات العامّة والمصالح المستقلّة للمؤسسة، ضمن مهلة محدّدة يُصار إلى الاتفاق عليها لتلافي اتخاذ اجراءات جذرية من مؤسسة كهرباء لبنان”.

وكان لسياسيين وفعاليات في المدينة، بيانات ومنشورات استنكرت هذه الأزمة، كالنائب إيهاب مطر، النائب أشرف ريفي، النائب فادي كرم (الكورة)، ورئيس اتحاد نقابات العمّال والمستخدمين في الشمال النقيب شادي السيّد وغيرهم من الشخصيات التي طالبت بحلول لمنع قطع المياه (سواءً أكان بسبب غياب الكهرباء أو لأيّ سبب آخر)، لأنّه سيكون كارثة على المستهلكين، وهذا ما شدّد عليه الخبير في معالجة مياه الشرب كمال مولود، الذي أكد أن “أيّ انقطاع يحصل في أيّ لحظة ولأيّ سبب للمياه، سيُؤثر في صحة الناس قطعاً”.

وعمّا إذا كانت المياه قد عادت إلى مختلف المناطق الطرابلسية لا سيما بعد تواصل مواطنين مع “لبنان الكبير” ليؤكّدوا استمرار معاناتهم مع قطعها، أوضح مولود أنّ المياه عادت إلى كلّ المناطق الطرابلسيّة يوم أمس وتحديداً الساعة الواحدة بعد الظهر، مؤكّداً أن لا شكوى وجهت في طرابلس حول هذا الموضوع، إلّا في ما يخصّ مرتفعات القبّة التي تُواجه مشكلة تقنية بسبب الخزانات وتعمل المؤسسة فيها على زيادة المياه وهي قيد الحلّ.

ورأى مولود أنّ الأزمة (التي لا يزال القائمون عليها يُتابعونها مع رئيس الحكومة)، لا تكمن في “الفريش دولار”، بل في كيفية الدفع والسيناريوهات المرتبطة بالجباية التي يُمكن أن تكون معقّدة. وقال لـ “لبنان الكبير”: “مؤسسة المياه تُعدّ من كبار المستهلكين التي تُقدّم خدمة مهمّة رئيسة، ومن الضروريّ تقديم سعر خاصّ لها كما سابقاً، إذْ لا بدّ من أن يتضمّن السعر ما يُمكن أن تتحمّله المؤسسة، والوزارة كما الناس، وبالتالي إنّ الاجتماع قد يحلّ هذه المشكلة تدريجاً إنْ تعاونت الادارات”.

سيناريوهات عدّة بانتظار الاجتماع المقبل والذي قد يُؤدّي بدوره إلى حدوث اجتماعات جديدة لتقديم سعر خاص ومناسب، “لكن بحسب وزارة الطاقة، سيكون كلّ العبء على المواطن والمناطق، وهو لا يُعدّ حلاً جيّداً، بل لا بدّ من السعي إلى حلول لتقديم هذا المصدر الحياتيّ الذي لا يجب أنْ تكون كلفته مرتفعة كأيّ بلد آخر في العالم، إلّا في البلاد التي استسهلت دولتها الحلول لتُجبر المواطنين على الدفع عبر ابتزازهم بمبلغ قد يصل إلى 30 مليون ليرة سنوياً بدلاً من 3 ملايين ليرة يدفعونها حالياً، وذلك من دون أن يحصل خصم سنويّ يحتسب بطريقة مدروسة” وفق تقدير مولود، الذي أشار إلى أنّ مؤسسة مياه الشمال تستعدّ لإعداد دراسة شاملة لتقديمها وعرضها خلال أسبوع على وزارتي الطاقة والمالية، الأمر الذي “سيُبيّن بعدها الخيارات عقب التخمينات”.

شارك المقال