الاقتصاد اللبناني في غيبوبة… فأي خطة طوارئ قد تُنقذه؟

سوليكا علاء الدين

مع دخول الحرب على غزة أسبوعها الثالث على التوالي وفي سياق التحضير لمواجهة خطر سيناريو الحرب المُحتمل، أعدّ حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري وبالتنسيق والتعاون مع الحكومة اللبنانية خطّة طوارئ اقتصادية تهدف إلى تأمين التمويل بالعملة الأجنبية من أجل استخدامها في الحالات الضرورية القصوى لشراء القمح والطحين والمحروقات في حال حدوث أي تصعيد أمني أو عسكري بين لبنان واسرائيل. وقد تضمّنت الخطّة أربعة بنود أساسية ترتكز على قُدرة “المركزي” على الاستمرار في دفع رواتب القطاع العام بالدولار أقلّه لفترة أربعة أشهر، كذلك تأمين الحاجات للمؤسسات الصحية والطبية كونها العنصر الأساس في هذه المرحلة، بالاضافة إلى تأمين حاجات المؤسسات العسكرية والأمنية، ومستحقات الشركات والمتعهدين الذين يديرون مؤسسات الدولة كشركات تشغيل مؤسسة الكهرباء والمياه وغيرها.

تُعد خطّة “المركزي” استكمالاً للسياسة التي يعتمدها منصوري منذ تسلّمه منصب الحاكمية والتي اسهمت إلى حد كبير في ضبط تقلبات سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار عبر شراء العملة الخضراء وتجفيف الليرات من السوق، غير أنّ نجاح خطة الطوارئ يرتبط بمدى حجم تمدد الحرب وتوسعها والتي من شأنها أن تقوم بتحديد قدرة مصرف لبنان على الاستمرار في ضبط الاستقرار النقدي. وبصفته السلطة النقدية الأولى في البلاد والمسؤول عن تحديد السياسات النقدية، من واجبه أيضاً القيام بوضع هذه الخطة تحسّباً لأي طارئ قد يستجد لا سيما وأنّ لبنان يغلي على فوهة بركان الحرب. لكن في المقابل، لا يُخفى على أحد أنّ امكاناته المالية تبقى محدودة جداً وهو لا يستطيع تحمّل تبعات أي حرب طويلة قد تؤدي إلى استنزاف قدرته على الصمود.

في مراجعة سريعة للسياسة النقدية التي كانت مُتّبعة خلال حرب تموز 2006، فقد تدخّل حينذاك مصرف لبنان عبر ضخ ما يُقارب المليار دولار خلال أيام الحرب الأولى من أجل لجم الطلب على الدولار والحفاظ على استقرار سعر الصرف الرسمي عند الـ1500 ليرة للدولار الواحد. مع الاشارة إلى أن احتياطي “المركزي” من العملات الأجنبية وصل في نهاية الفصل الأول من العام إلى 11.7 مليار دولار، أما في الوقت الراهن، فلم تعد لديه احتياطات كبيرة من العملة الأجنبية والموجود هو توظيفات الزامية تعود الى أموال المودعين ولا تتعدّى الـ 7.5 مليارات دولار. كما تدفقت في العام 2006، المساعدات الخليجية والمعونات الاغاثية والودائع إلى لبنان وكانت أبرزها الوديعة السعودية بقيمة مليار دولار والوديعة الكويتية بقيمة 500 مليون دولار واللتان ساهمتا في الحفاظ على استقرار مصرف لبنان. وبالتالي، فإنّ التصرف بأموال “المركزي” من أجل المحافظة على هدوء سعر الصرف أو لجم ارتفاعه يعني تبخّر أموال المودعين إلى الأبد لا سيما في حال لجوء المجلس النيابي إلى إقرار القوانين التشريعية التي تسمح للحكومة بالاقتراض من احتياطي “المركزي” تحت ذريعة الضرورة القصوى ووضع منصوري أمام ضغط الأمر الواقع على الرغم من رفضه المساس بهذه الأموال.

اليوم، ومع استمرار تخبّط لبنان في أزماته السياسية والاقتصادية من غير المتوقّع أن يصل أي نوع من الدعم المالي سواء كان ودائع مصرفية أو هبات لاعادة الاعمار كما حصل بعد حرب الـ2006 وذلك بسبب انعدام الثقة بالطبقة السياسية والتخوف من سرقة هذه الأموال والمساعدات أو هدرها، بالاضافة إلى عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية واستمرار الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف أعمال والفشل في تنفيذ أي من المشاريع الاصلاحية المطلوبة التي من شأنها أن تُعيد اكتساب ثقة المجتمع العربي والدولي. ناهيك عن أنّ لبنان لا يُعتبر حاليّاً من ضمن لائحة الأولويات في ظل أزمات الاقتصاد العالمي وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية والعدوان الاسرائيلي على غزة.

على صعيد آخر، وفي ما يتعلّق بإيرادات الدولة، فقد شهدت خزينة المالية العامة في حرب الـ2006 خسائر بقيمة المليار ونصف المليار دولار تقريباً وذلك جراء تراجع الايرادات مقابل ارتفاع النفقات. اليوم، تُحقق الدولة فائضاً في إجمالي إيراداتها بالليرة، بحيث تصل حسابات القطاع العام في المصرف المركزي إلى ما يُقارب 380 مليون دولار. وبهذا، تكون إيرادات الدولة قد تحسّنت بصورة لافتة نتيجة دولرة الرسوم الجمركية وهذا من شأنه تخفيف الضغط عن “المركزي”. لكن المشكلة تكمن في أن الجزء الأكبر من هذه الايرادات هو بالليرة اللبنانية في حين أن هناك إتفاقاً كبيراً في الدولار الأميركي. وبالتالي، فإنّ دخول لبنان في حرب جديدة اليوم من شأنه أن يؤدي إلى تراجع في الايرادات المُحققة نتيجة تراجع عمليات الاستهلاك والاستيراد مما سيعوق قدرة وزارة المالية على التدخل لتمويل نفقاتها لا سيما مع اصرار “المركزي” على رفضه تمويل الدولة. وبذلك، قد تقع الدولة في عجز إضافي وتضطر إلى طلب إما الاقتراض من مصرف لبنان أو اللجوء إلى طباعة الليرة لتمويل نفقات الحرب، الأمر الذي سوف ينعكس بصورة سلبية على سعر الصرف وعلى الاستقرار النقدي الهش وبالتالي على الوضع الاقتصادي المنهار.

خلال السنوات الماضية، شهد لبنان العديد من الاضطرابات والحروب ولطالما كان المصرف المركزي اللاعب الرئيس في حماية الاستقرار النقدي الوطني مدعوماً بسلسلة من المساعدات الدولية. اليوم، يعيش لبنان أسوأ انهيار اقتصادي ومالي ونقدي وهو غير قادر بمُفرده على مواجهة أزماته والوفاء بالتزاماته في أيام السلم، فكيف سيكون الحال في أيام الحرب وهل سيستطيع تحمّل ما لا طاقة له؟ فالاستقرار الحالي الذي ينعم به اليوم مُعرّض للإهتزاز في أي وقت، ومعه سوف يهتز الاقتصاد الغارق أساساً في غيبوية طويلة، بحيث لن تقدر على إسعافه أي من الخطط الطارئة.

شارك المقال