“طوفان الأقصى” تقهر الاقتصاد الاسرائيلي

سوليكا علاء الدين

أصابت شظايا عملية “طوفان الأقصى” عمق الاقتصاد الاسرائيلي بحيث كبّدته خسائر جسيمة وموجعة بلغت قيمتها مليارات الدولارات. الحرب الاسرائيلية على غزّة مُستمرة، ومن الصعب معها إحصاء الخسائر النهائية التي يدفع الاقتصاد ثمنها يوميّاً، غير أنّ جميع المؤشرات والأرقام تُشير إلى أنّ حجم تكاليف الحرب سيكون الأكبر والأقسى بعد أن أصاب الشلل مختلف القطاعات وعلى جميع المستويات. فبحسب وزارة المالية وبنك إسرائيل، من المتوقع أن تبلغ قيمة هذه الخسائر أكثر من 18 مليار دولار، وهو ما يشكّل نحو 3.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للاقتصاد الاسرائيلي، أي أضعاف ما تكبّده خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 والتي دامت 34 يوماً بحيث بلغت الخسائر حينذاك نحو 2.4 مليار دولار فقط.

ومع تواصل حالة عدم اليقين في ما يتعلّق بحجم الصراع وخطّه الزمني، تتفاقم الكوارث الاقتصادية يوماً بعد يوم مُسجّلة صفعة قوية للاقتصاد المُتأزم أساساً حتى قبل السابع من تشرين الأول. فالحرب الدائرة ألحقت خسائر فادحة بأسواق المال وبشتّى القطاعات الرئيسة كالسياحة، والاستثمار، والصناعة، والزراعة، والطاقة والتكنولوجيا والنقل وغيرها. وتراجعت حركة الملاحة الجوية والبحرية، وقامت شركات طيران عديدة بتعليق رحلاتها. كما توقّف الكثير من المؤسسات الصناعية والتجارية والعقارية والشركات الناشئة عن العمل، وزادت حركة هروب الرساميل من المصارف الاسرائيلية. وطالت الخسائر قطاع التصنيع حيث استمرّ فقط 12 في المئة من المصانع الاسرائيلية يعمل بكامل انتاجيته. كذلك لم تسلم شركات التكنولوجيا من براثن الحرب، بعد استدعاء نحو 15 في المئة من القوى العاملة فيها للخدمة الاحتياطية. ولحقت بالبنوك الاسرائيلية خسائر كبيرة، بحيث انخفض مؤشر البنوك في بورصة تل أبيب بنسبة 20 في المئة منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”.

وعلى إثر اندلاع الحرب، أعلنت وزارة الطاقة الاسرائيلية تعليق الانتاج مؤقتاً من حقل غاز تمار البحري قبالة ساحلها الجنوبي، على أن تبحث عن مصادر وقود بديلة لتلبية احتياجاتها. وكانت الحكومة الاسرائيلية استدعت نحو 350 ألف جندي احتياطي (العدد الأكبر في تاريخ إسرائيل منذ العام 1973) وسحبهم من سوق العمل الذي يتكبّد أسبوعياً خلال الحرب خسائر بقيمة 4.6 مليارات شيكل أي 1.2 مليار دولار، وهو ما أدّى إلى استنزاف حوالي 8 في المئة من القوى العاملة وإلى تراجع النشاط الاقتصادي بقيمة تُقدّر كلفتها بـ 2.5 مليار دولار شهرياً.

وتراجع من ناحية أخرى، مؤشر الأسهم الرئيس في تل أبيب بنسبة 16 في المئة من حيث قيمته بالدولار منذ 7 تشرين الأول، مع خسارة ما يُقارب الـ25 مليار دولار من قيمته. وانخفض الشيكل إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار منذ العام 2012 متجاوزاً 4 شيكلات للدولار الواحد، وذلك على الرغم من تدخّل البنك المركزي وإعلانه عن ضخ ما يُقارب الـ 45 مليار دولار في السوق من أجل دعم استقرار العملة. فضلاً عن ذلك، انخفضت معدلات الاستيراد جراء توقف العمل في ميناء حيفا ما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع الاساسية بصورة كبيرة. وأظهر بنك إسرائيل في تقديراته أرجحيّة ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في نهاية العام 2024 إلى نحو 62 في المئة مقابل نحو 59 في المئة عام 2023. أمّا في العام 2024، فمن المتوقّع أن تتعقد الأمور أكثر فأكثر إذ قد يصل العجز إلى 4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بعجز متوقع بنسبة 2.5 في المئة قبل الحرب.

بدوره، أشار بنك “جيه بي مورغان” إلى أنّ الاقتصاد الاسرائيلي البالغ حجمه 520 مليار دولار مُعرّض للانكماش بنسبة 11 في المئة على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2023، نتيجة تصاعد الحرب. وأوضح أن الاقتصاد الاسرائيلي تأثر منذ بدء الصراع، بصورة سلبية، لا سيما بعدما علّقت الشركات والوزارات الحكومية خدماتها المدنية، بالاضافة إلى تعليق المدارس والجامعات والتحول للتعليم عن بعد حتى إشعار آخر. كما لفت إلى أنّ حروب إسرائيل الأخيرة في العامين 2006 و2014 بالكاد ّأثرت على النشاط الاقتصادي، لكن الحرب الحالية كان لها التأثير الأكبر على الأمن والثقة الداخليين.

الحرب أدّت أيضاً إلى ارتفاع الانفاق العسكري وانخفاض الدخل وارتفاع المصاريف الحكومية من أجل تغطية خسائر الحرب وتكاليف إعادة الإعمار. وفي هذا السياق، قدّرت تكلفة الأضرار التي لحقت بالممتلكات بنحو 5 مليارات شيكل أي 1.4 مليار دولار، وتكلفة إعادة إعمار 30 مستوطنة في “غلاف غزة”، بأكثر من 10 مليارات شيكل أي 2.5 مليار دولار. فيما أظهرت التقديرات أنّ تكلفة يوم القتال الواحد للجيش الاسرائيلي تصل إلى ربع مليار شيكل أي 62.5 مليون دولار، ما يعني أنّ شهر تشرين الأول فقط سيُكلّف خسائر بأكثر من 6 مليارات شيكل أي 1.5 مليار دولار.

وفي سياق مُتّصل، توقّعت وزارة المالية الاسرائيلية أن يُعرّض استمرار الحرب لفترة طويلة اقتصاد إسرائيل للركود خلال ما تبقى من العام الجاري والعام المقبل، وتخوّفت من تعطيل 1.8 مليون عامل يشكلون 41 في المئة من القوى العاملة في السوق الاسرائيلية. كما وضعت عدة سيناريوهات لخسائر الاقتصاد الاسرائيلي، السيناريو الأول تمثّل في تمركز الحرب في قطاع غزة مع مواجهة محدودة مع “حزب الله” على الحدود اللبنانية كما هو حاصل اليوم. وفي هذه الحالة، توقّعت الوزارة أن تبلغ خسارة الناتج المحلي الاجمالي لمدّة شهر نحو 0.6 في المئة أي حوالي 11.8 مليار شيكل (ما يساوي 3 مليارات دولار).

السيناريو الثاني شمل توسّع الصراع إلى الجبهة اللبنانية بموازاة غزة ولفترة شهر أيضاً، بحيث قد تصل خسارة الناتج المحلي الاجمالي خلال العامين 2023 و2024 إلى 44 مليار شيكل (أي 11 مليار دولار)، على أن ينخفض النمو إلى 2.2 في المئة في العام 2023 مقارنة بتوقعات 3.4 في المئة قبل الحرب. كما من المتوقّع أيضاً أن يُسجّل النمو 2.5 في المئة في العام 2024 (مقابل 2.7 في المئة في التوقعات السابقة). ويرجّح هذا السيناريو بدء مرحلة التعافي في الربع الأول من العام 2024 على أن يُستكمل بصورة تامة في الربع الثالث من العام نفسه.

أما السيناريو الثالث والأخير، فقد تناول إمكان تمدد الصراع على أكثر من جبهة ولفترة زمنية أطول، بحيث أشارت التوقعات إلى انخفاض معدلات النمو إلى 1.3 في المئة في العام 2023، على أن تتراجع إلى 0.6 في المئة العام المقبل. وفي هذه الحالة، يبدأ مشوار التعافي في الربع الرابع من العام 2024. وكان بنك إسرائيل المركزي قد توقّع تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.3 في المئة في العام 2023 و2.8 في المئة في العام 2024. بينما توقعت وكالة “ستاندرد آند بورز” نمو الاقتصاد الاسرائيلي بنسبة 1.5 في المئة في 2023 وبنسبة 0.5 في المئة في العام المقبل.

وتجدر الاشارة إلى أنّ وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني قد وضعت مرونة الاقتصاد الاسرائيلي تحت الاختبار، بحيث من المتوقع أن تُصدر الوكالة مراجعة ثانية للتصنيف في وقت لاحق وسط توقعات بخفض تصنيف إسرائيل الائتماني. كذلك، وضعت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية الاسرائيلية الطويل الأجل والقصير الأجل بالعملات الأجنبية والمحلية “A+” تحت مراقبة التصنيف السلبي. بدورها، خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” نظرتها المستقبلية للاقتصاد الاسرائيلي من مستقرة إلى سلبية، وسط ارتفاع حدة المخاطر المحدقة بالاقتصاد بسبب العدوان على قطاع غزة، محذرة من التداعيات السلبية لاستمرار الحرب، بحيث أكدت الوكالة تصنيف إسرائيل عند ” AA-“، وهي رابع أعلى درجة ضمن التصنيفات الائتمانية التي تقدّمها الوكالة للدول. ومع هذا الانحدار الذي تشهده الأرقام والتصنيفات والتوقعات كافة، يكون بذلك الاقتصاد الاسرائيلي المُنهزم الأكبر في عملية “طوفان الأقصى”.

شارك المقال