لبنان على المحك… حرب مقنعة تُهدد اقتصاده

هدى علاء الدين

عادةً ما تشكل الحروب تحدياً هائلاً للأوضاع الاقتصادية لا سيما وأنها تترافق مع توقف الأنشطة الاقتصادية وتدمير البنية التحتية، وانخفاض الاستثمارات وانهيار القطاع المالي، فضلاً عن تدهور سوق العمل وتقليل فرصه وهجرة رأس المال البشري، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم والنقص الحاد في الامدادات والغذاء ما يؤثر بصورة مباشرة على الأمن الغذائي. فكيف إذا كانت آثار هذه الحرب وتداعياتها هي واقع الحال في لبنان؟

منذ اندلاع العدوان الاسرائيلي على غزة قبل حوالي الشهر والحرب تتصدر الأخبار اليومية في لبنان وسط توترات أمنية متواصلة على جبهة الجنوب. وعلى الرغم من تشديد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على سعي حكومته الى تجنيب لبنان أي حرب قادمة، لكنه أكّد أنه في عين العاصفة. وهذا ما أكده أيضاً الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله بقوله: “إن جبهتنا هي جبهة تضامن مع غزة وتتطور وتتحرك تبعاً للتطورات هناك، وكل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة”.

اما إسرائيل، فحذرت لبنان و”حزب الله” من مغبة التدخل في حربها المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي، منبهة على أن الحزب في حال ارتكب أي خطأ فسيتم الرد بقوة كبيرة جداً وسيكون لذلك ثمن غالٍ لا يمكن تخيله. وبحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأميركية، فإن حجم الرد الاسرائيلي في غزة سيحدد مستقبل لبنان، بحيث قد يشعر “حزب الله” أنه مضطر إلى المشاركة في الحرب، على الرغم من رده المحدود حالياً على الاستهداف الاسرائيلي، في حين يدرك اللبنانيون أن الصراع قد يمتد ويدفع البلاد، التي تترنح على الحافة، إلى هاوية لا رجعة فيها.

على الصعيد الاقتصادي، حذرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا من خطورة التصعيد الراهن في غزة، مشيرة إلى أنه يهدد بتدمير النشاط الاقتصادي في المنطقة، في حين أن قنوات التأثر في مصر ولبنان والأردن واضحة بالفعل لا سيما وأنها دول تعتمد على السياحة التي تتأثر سلباً بالضبابية.

هذه الضيابية انعكست على معظم القطاعات في لبنان، حيث شهدت تراجعات ملحوظة في ظل مخاوف من اشتعال جبهة الجنوب والحرب الكلامية التي لم تهدأ وتيرتها أبداً، أبرزها انكماش قطاع المطاعم الذي سجل تراجعاً في حجم أعماله بين 80 و90 في المئة، وتراجع قطاع الفنادق حيث تقدر نسبة الإشغال حالياً بين 5 و10 في المئة، في حين أن هناك فنادق شاغرة تماماً. كما سجل قطاع تأجير السيارات تراجعاً تجاوزت نسبته 90 في المئة والقطاع الصناعي بنسبة تراوحت بين 30 و35 في المئة. وشهد القطاع التجاري طلباً على المواد الغذائية والمواد الضرورية اليومية، نتيجة توجه اللبنانيين الى تخزينها خوفاً من الحرب. أما بالنسبة الى السلع الأخرى والكماليات، فقد سجلت انخفاضاً بنسبة تتراوح بين 50 و70 في المئة، في حين سجلت حركة السفر عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت انخفاضاً في حركة الوصول بنسبة 33 في المئة في الأيام العشرة الأخيرة، بينما ارتفعت حركة المغادرة بنسبة 28 في المئة.

إلى جانب تراجع هذه المؤشرات، شهد مؤشر مديري المشتريات اللبناني تراجعاً خلال تشرين الأول إلى 48.9 نقطة معمقاً بقاءه دون مستويات الحياد والنمو منخفضاً من مستويات 49.1 في أيلول الماضي. وانكمش المؤشر بسبب تأثير إلغاء الطلبيات على النشاط التجاري. ويؤكد هذا الانخفاض في مؤشر مديري المشتريات أن الاقتصاد اللبناني لا يزال يعاني من حالة من الانكماش، وأن من المرجح أن يستمر هذا الوضع في الأشهر المقبلة، ما لم تتخذ إجراءات لمعالجة هذه التحديات.

وبالعودة إلى تقرير Foreign Policy، فقد أشار إلى أن لبنان عانى ولا يزال، خلال السنوات القليلة الماضية من أسوأ أزمة اقتصادية. فمنذ اندلاع الاحتجاجات عام 2019، واجهت البلاد ارتفاعاً في معدلات البطالة. ومع تدهور الاقتصاد، انخفضت قيمة العملة المحلية بنسبة 90 في المئة، وارتفع التضخم بصورة كبيرة، ما دفع 80 في المائة من اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر، بالتزامن مع فشل المجلس النيابي مراراً وتكراراً في انتخاب رئيس للجمهورية. وفي حال اندلاع حرب على غرار حرب تموز، يعتقد الخبراء أن لبنان قد لا يحصل على فرصة للتعافي، فهو دولة مفلسة ولن يحصل على أي قروض من المجتمع الدولي. ورأت المجلة أنه في حالة الحرب، قد يتعرض هيكل البنية التحتية الأساسية للحياة اليومية للقصف والهدم، ما يجبر جيلاً آخر من اللبنانيين على الفرار من البلاد. كما أن نزوح السكان إلى مناطق أخرى سيؤدي إلى زيادة العبء على الخدمات المدنية التي تعاني من ضغوط بسبب وجود اللاجئين السوريين. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فقد نزح حوالي 29 ألف شخص من الجنوب اللبناني هرباً من تداعيات القصف المتبادل.

لا يعيش لبنان اليوم حرباً بمفهومها التقليدي والعسكري لكن تداعياتها الاقتصادية هي واقع الحال قبل وقت طويل من اندلاعها. فالحرب المقنعة التي تُخيّم على لبنان سبقتها حرب اقتصادية وسياسية عميقة الجذور ومليئة بالتحديات والأزمات منذ العام 2019. وفي حال انخرط لبنان بصورة رسمية في حرب مع إسرائيل، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من التعقيدات في الوضعين الاقتصادي والسياسي وإلى تدمير البنية التحتية، فضلاً عن خسائر مالية وبشرية لا تقدر بثمن.

شارك المقال