خطة الطوارئ الوطنية تحتاج إلى نداء تمويل عاجل

سوليكا علاء الدين

على وقع الحرب الشرسة والدامية التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، وفي ظل الترقب والخوف من امتداد شرارة هذه الحرب إلى الأراضي اللبنانية، أعلنت حكومة تصريف الأعمال عن إنجازها “خطة الطوارئ الوطنية” استعداداً لأي توسّع مُحتمل للاشتباكات والعمليات العسكرية . وتهدف الخطة إلى حماية المواطنين من تداعيات حدوث أي عدوان إسرائيلي ومساعدتهم في حال نزوحهم أو تهجيرهم القسري من منازلهم من خلال تأمين مراكز إيواء آمنة للنازحين وتوفير المستلزمات الاغاثية والصحية والبيئية الضرورية وتأمين احتياجاتهم الأساسية من غذاء ومياه وكهرباء لضمان الحفاظ على الاستقرار والأمن الاجتماعي.

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان قد أثنى على إقرار مجلس الوزراء اللبناني خطة إدارة الكوارث، لكنّه أكّد في الوقت عينه ضرورة احترام حقوق الانسان وفي مقدّمة ذلك الحق في الوصول إلى المعلومات، والحق في المشاركة في الحياة العامة اللذين بدورهما سوف يُيسّران تنفيذ الخطة من الحكومة وتعزيز فعاليّتها. وشدّد المرصد على أهمية ضمان الحقوق في ظل شبه انعدام ثقة الجمهور بالدولة اللبنانية وأجهزتها نتيجة عقود من الفساد في القطاع العام وتقويض فعاليته والتي لا يُمكن استرجاعها من دون اعتماد الشفافية في الحقل العام.

كما حثّ الأورومتوسطي لحقوق الانسان الحكومة اللبنانية على اعتماد أقصى معايير الشفافية في إدارة خطة الطوارئ وتنفيذها استجابة لأي عدوان محتمل، داعياً الحكومة إلى إشراك جميع شرائح المجتمع اللبناني – هيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص – في كل من عملية التخطيط للخطة وتنفيذها لضمان أكبر قدر ممكن من الالتزام به. كذلك طالب بمراعاة أن ضرورات السرعة في الاستجابة إلى الآثار التي قد تترتّب على حرب محتملة يجب ألّا تتجاهل وضع الضوابط اللازمة قيد التنفيذ للحد من أي ممارسات فاسدة ومنعها.

الخطة التي اعتمدت على افتراضات مُستوحاة من تجربة حرب تموز 2006، شاركت في إعدادها المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الانساني في لبنان، بالاضافة إلى ممثلين عن الوزارات المعنية في اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة الكوارث والأزمات. لكنها اصطدمت بحاجز مصادر التمويل حيث يبقى السؤال الأبرز: كيف سيتم تأمين الأموال اللازمة من أجل تمويل خطة الطوارئ التي تتجاوز كلفتها الأولى ما يُقارب الـ400 مليون دولار؟

فالأزمة الاقتصادية والنقدية والمالية التي يشهدها لبنان منذ أكثر من أربع سنوات تجعله عاجزاً عن تحمّل كلفة التمويل الباهظة بمفرده. كما أنّ التعويل على الهيئات والصناديق الدولية من أجل الحصول على المساعدات والدعم المالي قد لا يؤتي ثماره خصوصاً وأنّ لبنان فشل خلال السنوات الماضية في إبراز حسن نواياه وإعادة اكتساب ثقة المجتمع الدولي والعربي بعد تأخّره عن تنفيذ أي من المشاريع الاصلاحية الهيكلية وبالتالي عدم التوصّل إلى إبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي المُستاء من آلية تعاطي الطبقة السياسية مع الأزمة، فضلاً عن رفض حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري استخدام ما تبقّى من أموال المودعين لإقراض الدولة لا بالليرة ولا بالدولار، مُصرّحاً مراراً وتكراراً بأنّ عليها البحث عن موارد تمويل أخرى؛ فالحاكم لن يصرف الأموال إن لم يتم في المقابل تأمين ضمانات للمودع وتطبيق القوانين الاصلاحية التي يُطالب بها.

مصادر مُقرّبة من منصوري ترفض استغلال البعض الظروف الاستثنائية للإقتراض من أموال المودعين، وتعتبر أنّ الطريق الوحيد أمام مجلسي الوزراء والنواب هو القيام بإعداد وإقرار مشروع قانون يسمح باقتراض الدولة من مصرف لبنان، مع الاشارة إلى أنّ منصوري يرفض بصورة قاطعة تمويل الحكومة حتى لو قام البرلمان اللبناني بإصدار قانون يُشرّع الاستدانة. في مقابل ذلك، لا تزال تطفو إلى العلن حدّة الانقسامات واختلاف الآراء بين الأطراف السياسية والتي منعت في وقت سابق الإتفاق على مشروع القانون وإحالته على المجلس النيابي لمناقشته والتصويت عليه، بحيث لن يتحمّل أحد من النواب عبء الموافقة والتصويت على مشروع قانون يُبيح المساس بما تبقّى من ودائع المواطنين. واليوم، لا طارئ جديد يُذكر على هذا الصعيد بحيث يبقى التباين بين الحكومة والبرلمان سيّد الموقف.

وفق النظرية الميكافيلية، الغاية تُبرّر الوسيلة. وفي حال دخول لبنان آتون الحرب، فإنّ أموال الخزينة وحدها على الرغم من تحسين إيرادات الدولة، لن تستطيع تحقيق الهدف المنشود وتغطية تكاليف الخطة الطارئة، وبالتالي فإنّ عيون السياسيين تشخص إلى الثماني مليارات دولار الموجودة في مصرف لبنان بغضّ النظر عن وجود التشريع أو عدمه. فهل ستُبرّر الحرب – إن وقعت – اللجوء إلى سحب أموال “المركزي” من أجل تأمين التمويل وهل سيرضخ منصوري المُؤتمن على أموال المودعين لسلطة الأمر الواقع، لا سيّما وأنّ البعض يُطالبه بقبول الصرف لزوم إنجاح مُتطلبات الخطّة؟ وهل يستطيع الحاكم بالإنابة في حال الإصرار على موقفه بعدم التمويل من دون التشريع أو تقديم الضمانات تحمّل سهام السياسيين الذين قد يتهمونه بعرقلة مساعي إنقاذ الناس وحمايتهم وقت الخطر؟

حتى الآن، لا إجابات حاسمة حول كيفية تمويل خطة الطوارئ الوطنية، وبانتظار كلمة الفصل تبقى بنودها مجرّد حبر على ورق ورهن مُستجدات الأحداث القادمة.

شارك المقال