القطاع السياحي في مرمى التهديدات من جديد

هدى علاء الدين

يعد قطاع السياحة مصدراً مهمأً للوظائف وإيرادات العملات الأجنبية، بحيث شهدت السياحة تعافياً قوياً على مستوى العالم في العام 2023، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن تصاعد المخاطر الأمنية فيها وفي شمال إفريقيا أدى إلى تراجع تدفق السياح. ووفقاً لمنظمة السياحة العالمية، فقد زاد عدد السياح القادمين إلى المنطقة في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام بنسبة 20 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019. وهذا ما يجعل المنطقة الوحيدة التي عادت فيها السياحة إلى مستويات ما قبل الجائحة لا بل تجاوزتها، الأمر الذي دعم نموها وعزز الحساب الجاري لاقتصاداتها، لكن تداعيات الحرب الاسرائيلية على غزة عرّض هذا الانتعاش للخطر.

وكما الحال في العديد من الدول المجاورة لدائرة الحرب، نال لبنان نصيباً من انعكاساتها وتداعياتها السلبية لا سيما على القطاع السياحي الذي يعد من أكثر القطاعات تأثراً وتضرراً، بحيث انخفضت أعداد السياح الوافدين إليه وألغي العديد من الحجوزات. وفي هذا الاطار، أشارت وكالة “ستاندر آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية” في تقريرها إلى أن لبنان من بين أكثر الدول عرضة للضرر من جراء الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وذلك بسبب قربه الجغرافي واحتمال توسع نطاق الصراع عبر حدوده. وتتمثل إحدى المخاطر الرئيسة التي يواجهها لبنان في قطاع السياحة، الذي يساهم بنسبة 26 في المئة من إيرادات الحساب الجاري للبلاد.

وبحسب الوكالة، فإن الآثار المحتملة للحرب تشمل الدمار وهروب المحافظ الاستثمارية والودائع غير المقيمة وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر. كما أن تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة يمكن أن يؤدي إلى موجة جديدة من تدفقات اللاجئين التي ستثقل كاهل الاقتصادات في المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إضعاف المقاييس المالية والائتمانية. وستؤدي إطالة أمد الصراع إلى خسارة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وإيرادات القطع الأجنبي في دول المنطقة.

واختبرت الوكالة ثلاثة سيناريوهات محتملة تتعلق بخسارة عائدات السياحة بنسبة 10 و30 و70 في المئة في عائدات السياحة في لبنان، معتمدة على تراجع عدد السياح القادمين إلى لبنان خلال الصراع اللبناني – الاسرائيلي عام 2006، بنسبة 40 في المئة تقريباً في شهري تموز وآب وبنسبة 6 في المئة في المتوسط للعام بأكمله مقارنة بعام 2005، وعلى عدد السياح حول العالم، الذي تراجع خلال جائحة كوفيد-19، بنسبة 70 في المئة في المتوسط في العام 2020.

بالأرقام، شهد قطاع السياحة في لبنان انتعاشاً قوياً في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023، بحيث ارتفع عدد السياح بنسبة 33 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وقد ساهم هذا الانتعاش في توفير فرص عمل لنحو 20 في المئة من السكان اللبنانيين، والذين تبلغ معدلات البطالة بينهم حوالي 30 في المئة. ومع ذلك، تأثر قطاع السياحة في لبنان سلباً بسبب الحرب في غزة، والتي اندلعت الشهر الماضي. فقد أوقفت شركات طيران كبرى، مثل “لوفتهانزا” و”يورو وينغز” والخطوط الجوية الدولية السويسرية، رحلاتها إلى لبنان، ما أدى إلى انخفاض حاد في عدد السياح. وبما أن قطاع السياحة يمثل حوالي 26 في المئة من إيرادات الحساب الجاري للبنان، فإن انخفاض عدد السياح سيؤدي إلى تراجع في النمو الاقتصادي والأرصدة الخارجية.

وأظهرت بيانات وكالة “إس آند بي غلوبال” أن عائدات السياحة في لبنان في حال انخفضت بنسبة 10 إلى 30 في المئة، فإن ذلك سيؤدي إلى خسارة مباشرة في الناتج الاقتصادي تصل إلى 10 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وقد يبدو هذا التأثير أقل حدة كنسبة مئوية من الاحتياطيات الأجنبية، إلا أن هذا التراجع في الاحتياطي يشتمل على جزء كبير من الذهب والاحتياطيات المطلوبة على ودائع البنوك بالعملات الأجنبية، والتي لا يمكن لمصرف لبنان الوصول إليها. وفي ظل النقص المستمر في العملات الأجنبية، وانخفاض قيمة العملة اللبنانية بنسبة أكثر من 95 في المئة منذ العام 2020، والتضخم المفرط، والفراغ السياسي، فإن لبنان لا يستطيع تحمل التخلي عن تدفقات العملات الأجنبية المهمة من السياحة. لذلك، فإن تأثير انخفاض عائدات السياحة على الاقتصاد اللبناني سيكون كبيراً، وسيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

كما أشار التقرير إلى أن الزوار القادمين من المنطقة والمغتربين يمثلون حصة كبيرة من مجمل عدد السياح القادمين إلى لبنان. وهذا من شأنه أن يساعد في حماية القطاع من صدمة أكبر، بحيث من المرجح أن يبقى الطلب لدى هذه الفئة من الزوار مستمراً بصورة كبيرة على الرغم من الأوضاع الجيوسياسية الاقليمية. وفقاً للتقرير، فقد شكل الزوار القادمون من المنطقة والمغتربون حوالي 80 في المئة من إجمالي القادمين إلى لبنان خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2023. وتشمل هذه الفئة اللبنانيين غير المقيمين والزوار من دول عربية أخرى.

وبحسب “الدولية للمعلومات”، تبين أن المتوسط اليومي لأعداد القادمين تراجع بنسبة 19.2 في المئة، بينما ارتفع متوسط حركة المغادرين اليومية بنسبة 4.2 في المئة، في حين توقّفت حركة العبور (الترانزيت). ويمكن تفسير هذه البيانات على أنها إشارة إلى أن هناك رغبة لدى المقيمين في لبنان بالبقاء في البلاد، بينما هناك رغبة لدى الزوار في تأجيل سفرهم إلى لبنان.

ليست هي المرة الأولى التي يدفع فيها القطاع السياحي في لبنان ثمن الحروب والتوترات الأمنية، لتخسر بذلك خزينة الدولة التي تعتمد على إيراداته كمصدر أساس لتدفق العملة الأجنبية وسوق العمل رأسماله البشري مليارات الدولارات. إلا أن لبنان لا يتحمل الآن خسارة ثانية للقطاع السياحي والتي ستكون بلا شك أخطر من سابقتها. ففي العام 2006، كانت التوقعات تشير إلى تحقيق القطاع السياحي رقماً قياسياً في عدد السائحين يقارب 1.6 مليون سائح، مع نسبة إشغال في الفنادق والشقق المفروشة تقارب الـ 100 في المئة، إلا أن الحرب حولت هذه التوقعات إلى خسائر كارثية بلغت قيمتها 3 مليارات دولار. ولذلك، فإن استمرار الحرب أو توسعها في ظل أزمة اقتصادية حادة سيؤدي بلا شك إلى خسارة أكبر في عائدات السياحة وإلى عودة الأوضاع الاقتصادية والمالية إلى نقطة الصفر.

شارك المقال