الذهب… الصديق الآمن في أوقات الأزمات

سوليكا علاء الدين

يُعد الذهب من أكثر المعادن انتشاراً وأشهر الأصول استثماراً في العالم، بحيث تبقى العملة النفيسة الملاذ الآمن الذي يجذب المستثمرين في أوقات الأزمات وفترات اللااستقرار وعدم اليقين السياسي والمالي. ومع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول الماضي، أدّى تصاعد التوترات الجيوسياسية إلى ارتفاع سعر الذهب بصورة ملحوظة اذ لامس عتبة الـ2000 دولار للأوقية (الأونصة)، قبل أن يُعاود الانخفاض مُجدداً إلى نحو 1953، مع انحسار المخاوف من امكان توسّع الصراع وتحوّله إلى حرب اقليمية طويلة الأجل.

ومع تسارع معدلات التضخم حول العالم وتصاعد المخاطر الجيوسياسية المرافقة لحرب غزة، ازدادت عمليات اقتناء الذهب ليتصدّر المعدن الأصفر من جديد عرش الملاذات الآمنة. ويُشير الخبراء إلى أنّ أسعار الذهب تميل نحو الارتفاع في حال وقوع نزاعات جيوسياسية مفاجئة، لذلك من المهم جدّاً أن يقوم المستثمر بشراء الذهب وإدراجه في محفظته الاستثمارية، على اعتبار أنّه وسيلة التحوط المثالية لمواجهة الاضطرابات العالمية، مع الاشارة إلى ضرورة الاستمرار في متابعة آخر التطورات والمستجدات بصورة دائمة ومعرفة مدى انعكاسها على الأسواق.

على مدى العقود الخمسة المنصرمة، واصل سعر الذهب ارتفاعه من نحو 36 دولاراً في العام 1970 إلى ما يقارب الـ2075 دولاراً خلال جائحة كورونا في العام 2020، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 20 في المئة أي ما يوازي 570 دولاراً للأونصة. ومع بدء الحرب الروسية – الأوكرانية في العام 2022، عاود الذهب ارتفاعه ليصل إلى 2070.44 دولاراً للأوقية، ليشتعل بعدها من جديد مع أزمة المصارف الأميركية وانهيار مصرف “سيليكون فالي” في شهر آذار من العام 2023، حين تجاوز عتبة الـ 2000 دولار للأونصة للمرة الأولى منذ آذار 2022. وهكذا فإنّ سعر الذهب يشهد فترات مُتقلّبة ما بين انخفاض وارتفاع وفقاً لمُجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية، بحيث يزداد طلب المستثمرين على المعدن الأصفر كملاذ آمن في الوقت الذي يكون فيه الاقتصاد العالمي عُرضة لأي خضات قوية، ليعود وينخفض بعدها عند عودة الاستقرار.

وفي هذا السياق، أكّد مجلس الذهب العالمي أن الحرب القائمة على غزة واشتعال الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، قد عززا الطلب على الذهب من حكومات دول العالم وبنوكها المركزية بنسبة 10 في المئة في غضون 16 يوماً فقط، لتؤكد قناعة هذه الدول – وبصورة غير مسبوقة – أن الذهب سيكون الملاذ الآمن لها في مواجهة التقلبات الدولارية وارتباكات اقتصاديات العالم المحتملة في حال لم تضع الحرب في الشرق الأوسط أوزارها في أقرب وقت ممكن. ووفق أرقام المجلس العالمي، سجّل الطلب في الأشهر التسعة الأولى من العام 2023 نحو 800 ألف طن من الذهب، بزيادة بلغت 14 في المئة عما كانت عليه في الفترة عينها من العام الماضي، وبهذا يكون الذهب قد استفاد في الآونة الأخيرة من ركود الدولار.

كما توقع مجلس الذهب العالمي أن يتعدّى حجم الطلب العالمي على الذهب في العام 2023 الطلب المسجل في العام 2022 البالغ 1081 طناً من الذهب. وعلى عكس ما كان المجلس يتوقع من تراجع نسبته 6 في المئة في حجم الطلب العالمي على الذهب إلى 1147 طناً خلال الربع الثالث من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، كشف عن مفاجأة حدوث ارتفاع قدره 129 طناً في إجمالي مشتريات البنوك المركزية العالمية للذهب خلال الربع الثالث من العام 2023، إذ بلغ الاجمالي 337 طناً أي بارتفاع بلغت نسبته 27 في المئة عن مشترياتها خلال الربع الثالث من العام الماضي وبارتفاع يفوق الـ 100 في المئة عن مشتريات بنوك العالم المركزية من الذهب خلال الربع الأول من العام الحالي.

من جهة أخرى، أصدرت “Wisdom Tree” تقريرها المتعلق بتوقعات الذهب حتى الربع الثالث 2024 المحفزة بالجيوسياسية، وشدّد التقرير على أن الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من عدم معرفة مدّتها وشدّتها، إلّا أنها شهدت عبر التاريخ استخدام الذهب كأداة تحوّط عالية القيمة. ولطالما، اعتُبر الذهب “ملاذ آمن”؛ أي أنّه خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي أو المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، يلجأ المستثمرون إلى المعدن الثمين من أجل توفير الحماية من اضطرابات السوق، الأمر الذي يدفع سعره إلى مزيد من الارتفاع.

على الرغم من الامتيازات الفريدة التي يحظى بها الذهب، غير أنّ وجهات النظر تختلف ما بين مؤيّد له كوسيلة مُجدية للتحوط أو الاستثمار في الظروف الصعبة ومُعارض له. فهناك من يعتبر أنّ الذهب كان ولا يزال الملاذ الاستثماري الأكثر أمناً خصوصاً على المدى الطويل، سواء بالنسبة الى الأفراد الذين يريدون الحفاظ على قيمة أموالهم في الأزمات وكذلك بالنسبة الى الدول التي تلجأ بنوكها المركزية إلى شرائه للتحوط بعيداً عن تقلبات الدولار الأميركي. في حين يرى البعض الآخر أنّ الذهب فقد بريقه بسبب تأثّره بعوامل اقتصادية مختلفة مثل العرض والطلب، انخفاض أسعار الفائدة والعملات، ارتفاع معدّل التضخم، النمو الاقتصادي العالمي والاضطرابات الجيوسياسية، وبالتالي تحوّله إلى أصل اقتصادي شأنه شأن سائر الأصول الأخرى.

تاريخيّاً، يُعتبر المعدن الأصفر العملة العالمية الأكثر استحواذاً في أوقات الصراعات والحروب، وقد اكتسب مكانة رفيعة في الاقتصاد العالمي وشكّل وسيلة فاعلة للتحوط من الذبذبات الاقتصادية والهزات الجيوسياسية، وعامل أمان للمستثمرين لمواجهة الأزمات الصادمة. ومع استمرار الحرب على غزّة، يبقى مسار الذهب مرتبطاً بصورة كبيرة بأحداث الأيام القادمة خصوصاً نطاق الصراع وفترته وامكان دخول أطراف أو دول جديدة على خط الحرب، إذ من المتوقع أن يشهد سعر الذهب مزيداً من الارتفاعات متأثراً بالتوترات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط. كما أنّ انعدام أي بوادر لانفراجات قريبة يُشكل تهديداً صريحاً لأمن المنطقة واستقرارها ما يدفع الذهب مُجدداً إلى تجاوز حاجز الـ2000 دولار للأونصة، بحيث تُشير الترجيحات إلى امكان وصول المعدن النفيس إلى مستوى 2200 دولار في نهاية العام 2023 وربّما أكثر.

شارك المقال