اقتصاد اسرائيل يقع في فخ حربها… والخسائر بالمليارات

هدى علاء الدين

يدفع الاقتصاد الاسرائيلي ثمناً باهظاً اقتصادياً ومالياً للحرب التي دخلت شهرها الثاني وسط انهيار واضح لبنية هذا الاقتصاد الذي أخذ بالتهاوي نتيجة التكاليف المرتفعة والخسائر المالية المباشرة وغير المباشرة التي أصابته.

فبعد شهر من حرب إسرائيل على غزة، أصبحت الخسائر الاقتصادية واضحة للعيان، عكستها البيانات والأرقام الرسمية التي تصدر تباعاً منذرة بما هو أسوأ قادم للاقتصاد الاسرائيلي.

وفي أحدث البيانات الصادرة عن بنك إسرائيل المركزي، تبين أن الاقتصاد الاسرائيلي يتكبد أسبوعياً 2.3 مليار شيكل (600 مليون دولار)، بسبب نقص القوى العاملة التي تأثرت سلباً بصورة كبيرة خلال الحرب. وأوضح المركزي أن هذه التكاليف ناجمة عن إغلاق العديد من المدارس وإجلاء نحو 144 ألف عامل من المناطق القريبة من الحدود مع غزة ولبنان، إضافة إلى استدعاء جنود الاحتياط للخدمة. ووفقاً للتقرير الشهري الصادر عن دائرة التوظيف الاسرائيلية، فإن عدد الاسرائيليين الذين تقدموا بطلب لتسجيلهم عاطلين عن العمل في تشرين الأول الماضي بلغ نحو 70 ألفاً.

في موازاة ذلك، أشارت الأرقام الصادرة عن وزارة المالية، إلى تسجيل إسرائيل عجزاً في الموازنة بقيمة 22.9 مليار شيكل (6 مليارات دولار) في تشرين الأول الماضي، نتيجة ارتفاع نفقات تمويل الحرب. وبحسب الوزارة، فإن العجز كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي ارتفع خلال الاثني عشر شهراً حتى تشرين الأول إلى 2.6 في المئة مقابل 1.5 في المئة في أيلول. كما أشارت إلى أن تراجع الايرادات بنسبة 15.2 في المئة الشهر الماضي بسبب التأجيلات الضريبية وانخفاض دخل الضمان الاجتماعي الناتج عن الحرب.

وفي ما يتعلق بالاحتياطيات الأجنبية التي تتعرض للاستنزاف، فقد انخفضت نحو 7.3 مليارات دولار خلال تشرين الأول الماضي لتصل إلى 191.2 مليار دولار، في وقت يسعى فيه البنك لدعم الشيكل بعد بدء الحرب على غزة، كاشفاً عن بيع 8.2 مليارات دولار من النقد الأجنبي الشهر الماضي، في إطار برنامج أطلقه المركزي الاسرائيلي منذ بداية الحرب بقيمة 30 مليار دولار لبيع النقد الأجنبي لمنع حدوث تدهور حاد في سعر صرف الشيكل، وهي المرة الأولى على الاطلاق التي يبيع فيها النقد الأجنبي.

انعكاسات الحرب طالت أيضاً القطاع التكنولوجي والشركات الناشئة، القوة الدافعة للاقتصاد الاسرائيلي، بحيث شكلا العام الماضي 18 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي (وهو ضعف ما يشكله القطاع من الناتج في الولايات المتحدة الأميركية) و50 في المئة من الصادرات. فشركات التكنولوجيا تلعب دوراً حيوياً في اقتصاد إسرائيل وتعمل على تعزيزه من خلال مساهمتها في نمو الناتج الاجمالي العام، لا سيما أن هذا القطاع يعتمد بصورة كبيرة على الاستثمارات الأجنبية.

ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعتبر إسرائيل واحدة من أعلى الدول من حيث تمويل البحث والتطوير في القطاع الخاص من خلال مصادر أجنبية مقابل مستوى تمويل السوق المحلية لهذه المجالات. وقد شهد القطاع أسرع وتيرة نمو خلال العقد الماضي نتيجة زيادة حجم صادراته وزيادة إنتاجيته، ما عزز من الاقتصاد الإسرائيلي عموماً. إلا أن آثار الحرب ألقت بظلالها عليه مسجلاً المزيد من التدهور والتراجع، وسط مخاوف كبيرة من خسارة إسرائيل مكانتها كدولة الشركات الناشئة لا سيما وأنها تحتوي على 7500 شركة للتكنولوجيا الحديثة، بحسب جمعية “ستارت أب نيشن سنترال” الاسرائيلية. فانخراط إسرائيل في الحرب، أوجب الحاجة إلى إعادة تنظيم القطاع نظراً إلى أن عدداً كبيراً من العاملين فيه هم من الجنود الاحتياط، بحيث استدعي نحو 15 في المئة منهم إلى الخدمة العسكرية بعيداً عن مكاتبهم، وفق تقديرات جمعية “إس إن سي”، في الوقت الذي تواجه فيه حوالي 70 في المئة من شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة الاسرائيلية انقطاعات في عملياتها بسبب الخدمة الزائدة عن الحاجة.

كما تأثرت السياحة بصورة كبيرة بحيث أصبحت الشواطئ في تل أبيب والبلدة القديمة في القدس خالية تقريباً. وتقلصت رحلات الطيران إلى إسرائيل بشكل كبير، إذ لم تعد تقريباً أي شركة طيران تسيّر رحلات إلى إسرائيل حالياً وهناك مسافرون قلائل يهبطون في مطار بن غوريون. أما الشيكل الاسرائيلي، فقد وصل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ أكثر من 20 عاماً. وبحسب تقديرات بنك “جيه بي مورغان” الأميركي، قد ينكمش الناتج الاقتصادي الاسرائيلي بنسبة 11 في المئة سنوياً في هذا الربع من العام.

يُعرب رئيس البنك المركزي الاسرائيلي، أمير يارون، عن تفاؤله على الرغم من كل شيئ، معتبراً أن الاقتصاد الاسرائيلي قوي ومستقر، وأصبح من المألوف معرفة كيفية التعافي من الأوقات الصعبة والعودة بسرعة إلى الرخاء. لكن الحرب قد يكون لها رأي آخر معاكس تماماً، إذ لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بالتأثيرات المحتملة بصورة دقيقة، لا سيما وأن كل تكهن أو تحليل أو توقع لا بد من أن يعتمد على مسار الحرب في المستقبل. فمصير الاقتصاد الاسرائيلي لا يزال مفتوحاً على الاحتمالات كافة وقد ينزلق إلى تدهور لم يشهد له مثيل في أي حرب سابقة في حال تسارع الأحداث وتطورها بصورة دراماتيكية لتشمل جبهات أخرى، لتكون حينها تكلفة الحرب حوالي 200 مليار شيكل (51 مليار دولار(، أي ١٠ في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، هي التكلفة الأعلى في تاريخ إسرائيل الحربي.

شارك المقال