جدل حول فرض ضريبة على مسددي القروض عالـ 1500

محمد شمس الدين

التطورات الحربية في غزة وتأثر لبنان بها، والتوترات الدائمة على الحدود الجنوبية وضعت الملفات اللبنانية في الثلاجة، على رأسها الملف الاقتصادي، بحيث يغيب فعلياً الحديث عن الودائع والمودعين وسرقة العصر التي ابتلعت أموالهم.

الأساس الفعلي للاقتصاد في أي بلد هو الموازنة التي تقرها حكومته، وقد تضمنت موازنة 2024 بنداً يقضي بتحصيل ضريبة من الأرباح غير المصرّح عنها بعد وغير المسددة، التي حققها المقترضون لدى المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، من خلال إعادة تسديد قروضهم بعد مرحلة وقوع الانهيار المالي بسعر صرف وبقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية لقرضهم، وستخصص حصيلة الضريبة لتمويل صندوق إسترجاع الودائع المُقترح إنشاؤه في سياق اقتراح قانون إطار لاعادة التوازن الى الانتظام المالي، وسيتثنى منه القروض السكنية والاستهلاكية الفردية التي لا تزيد قيمتها بتاريخ منحها عن 100 ألف دولار أميركي أو ما يعادلها بتاريخه بالعملة الوطنية.

بعد انهيار قيمة العملة المحلية، ومن دون إقرار قوانين رادعة استفاد العديد من اللبنانيين من موضوع تسديد قروضهم، تحديداً قروض الاسكان التي أقدم الكثيرون على تسديد مستحقاتها بكلفة أقل على الدولار، إلا أن هذا القانون لا يستهدف الأفراد، بل كبار الشركات والتجار الذين كانوا يسعرون خدماتهم وبضائعهم بالسعر الحقيقي لليرة، فيما حققوا أرباحاً طائلة بتسديد القروض المتوجبة عليهم على سعر الـ 1500 ليرة، بالاضافة إلى تجار الشيكات الذين استغلوا المودعين خلال الأزمة، لتحقيق أرباح على حساب جنى عمرهم، وقد جن جنون الهيئات الاقتصادية التي تتضمن سياسيين ونواباً، بسبب هذا الاقتراح وبدأوا حملة تجييش ضد القانون لمنع إقراره، ووفق تقديرات الحكومة، من المتوقع أن يحصل القانون المقترح بين 3 – 4 مليارات دولار ستذهب الى صندوق إعادة أموال المودعين.

إلا أن الموضوع لا يتعلق بالقبول أو رفض القانون المقترح فقط، ولا يهم أصوات التجار والهيئات الاقتصادية، بحيث يبدو أن القانون بحد ذاته دونه شوائب، فقد أشار الخبير المصرفي والاقتصادي د. محمد فحيلي الى أن “تطبيق هذا القانون شبه مستحيل، فالمعلومات عن الذين سددوا هذه القروض موجودة لدى المصارف، وستشكل عملية احتسابها تحدياً كبيراً، كون بعض القروض هي منذ أعوام قبل بدء الأزمة عام 2019، وعندها يجب معرفة الجزء المسدد إن كان من أصل القرض أم من الفائدة عليه، بالاضافة إلى ذلك هناك مشكلة السرية المصرفية، فهل المصارف ستكون مستعدة لتسليم الداتا الى وزارة المالية؟ أما إذا لم يتم تخطي موضوع السرية، فقد تلجأ الوزارة إلى تكليف المصارف بتحديد من الذين استفادوا من هذه القروض، وهذا دونه مشكلات بحد ذاته، فهل يمكن طلب الداتا من المصرفيين المتهمين بالمساهمة في هدر أموال المودعين، وممارسة الاستنسابية لجهة تحويل مليارات الدولارات إلى خارج لبنان خلال فترة الأزمة؟ كيف يمكن التأكد من أنهم لن يمارسوا الاستنسابية في هذا الموضوع أيضاً؟”.

وتوقع فحيلي أن تتوجه الدائرة القانونية في مصارف لبنان إلى المجلس الدستوري أو مجلس شورى الدولة للاعتراض على هذا القانون المقترح في حال أقر، لافتاً إلى أن “المادة التي تريد فرض ضريبة على المقترضين الذين تعتبرهم استفادوا من تسديد قروضهم على 1500 ليرة، فهم لا يستوفون الأسباب الموجبة لرفع السرية المصرفية عنهم، ولا يمكن تكليف المصارف أن تكون هي من يحدد من يخضع للضريبة ومن لا يخضع، أصلاً من المستبعد أن تقبل المصارف بهذا الأمر، فيكفيها ما فيها”.

المودعون اللبنانيون ظلموا فعلاً، ولكن القوانين المتأخرة لن تكون حلاً فعلياً لاستعادة جنى أعمارهم، قد تكون فكرة المشروع جيدة كعنوان، ولكن التنفيذ بالتأكيد ليس سهلاً، ومن غير المتوقع أن يمر المشروع بسهولة عبر مجلس النواب، بغض النظر عن رأي الهيئات الاقتصادية والمتضررين من المشروع، لأنه سيحتاج إلى تعديلات وإيضاحات، لعدم تخطي القوانين القائمة، والتي يمكن للهيئات القانونية أو الدستورية نقضه بسهولة. وكان يجدر بالدولة اللبنانية التفكير في حماية المودعين منذ بداية الأزمة، عبر إقرار قوانين أساسية، مثل “الكابيتال كونترول” كما تفعل الدول عادة عندما تتعرض لأزمات مشابهة، أو كان يمكنهم التمثل بلبنان السبعينيات في عهد الرئيس الياس سركيس حين أصدر قانون تم بوجبه وقف تسديد القروض، حتى يتجلى المشهد الاقتصادي للبلد في حينه، ولكن السلطة التي هدرت وسرقت لم تقدم على ذلك، وسيحاول كل فريق سياسي تقديم مشاريع قوانين بعناوين رنانة على أساس أنها تعيد بعضاً من الودائع، لكسب تصفيق الجمهور، ولا يمكن للمواطن العادي معرفة إن كان القانون جيداً أم سيئاً، في ظل انتشار جيوش المحللين الاقتصاديين، الذين ينفذ العديد منهم أجندات سياسية أكثر من تفنيد المعلومات.

شارك المقال