القطاع الزراعي في لبنان… “طاقة فرج” أمام التحديات

منى مروان العمري

بينما تتهاوى القطاعات الحيوية في لبنان تحت وطأة الانهيار الاقتصادي، يقف القطاع الزراعي على مفترق طرق بين اليأس والأمل، وقد شهد تدهوراً متسارعاً مع تزايد التحديات في مختلف المجالات منذ بداية الأزمة الاقتصادية في العام 2019، وخصوصاً أنه يؤدّي دوراً ثانوياً نسبياً في اقتصاد البلد، على الرغم من احتوائه على أعلى نسبة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم العربي.

فمع أكثر من 200000 هكتار (494000 فدّان)، تُمثِّل الزراعة 5% فقط من إجمالي الناتج المحلّي الوطني، وتستأثر بـ 8% من اليد العاملة الفاعلة. وفي المناطق الريفية مثل عكار والضنية والبقاع الشمالي، تُساهِم الأنشطة الزراعية بصورة كبيرة في إجمالي الناتج المحلّي، بحيث تشكّل ما يصل إلى 80% من الناتج الاقتصادي.

الزراعة ضمانٌ للغذاء

شهدَت الزراعة اللبنانية ازدهاراً ملحوظاً في السابق، لكنَّها كانت تُعاني من مشكلات عدة مثل غياب الكفاءة في استخدام المياه، وسوء حالة البنية التحتية، ومحدودية الوصول إلى التمويل. وجاءَ الانكماش الاقتصادي الحادّ ليزيدَ من هذه المشكلات، بحيث أدّى عدم الاستقرار السياسي إلى عرقلة الانتاج الزراعي كما تَسبَّبَ بالكثير من الهدر والخسائر الاقتصادية للمُنتِجين والمستهلكين في سلسلة القيمة. وأثَّرَ إغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا والوضع السياسي على الصادرات بصورة كبيرة، ما قلَّصَ إيرادات المزارعين.

وعلى الرغم من كلّ هذه التحدّيات، لا يخلو المشهد الزراعي من بارقة أمل، فمن خلال التقاليد الغنيّة في فنّ الطهي والمأكولات، والامكانات الفريدة للسياحة الزراعية وتصنيع الأغذية الزراعية، يمكن للقطاع أن يُعوِّل على نقاط القوّة الكامنة فيه للتصدّي للصعوبات والعراقيل الحالية. كذلك، يمكن لآليات التعاون الدولي، والسياسات الحكومية التي تُركِّز على تعزيز البنية التحتية، والاتّفاقات التجارية المُثمرة، أن تدفع عجلة القطاع إلى الأمام نحو الازدهار.

وبالاضافة إلى إنتاجه الزراعي الأساس، يؤدّي القطاع دوراً بالغ الأهمية في صناعة الأغذية الزراعية في البلد، ما يُسهِم بنسبة 5 في المئة إضافية في إجمالي الناتج المحلّي، فضلاً عن توفير فُرَص عمل لشريحة إضافية من اليد العاملة بنسبة 8 في المئة، ما يجعلُها مصدراً رئيساً للوظائف في الاقتصاد. وقد حدّدت منظّمة الأغذية والزراعة “الفاو” قطاع الأغذية الزراعية باعتباره مصدراً أساسياً وسريع النموّ لفُرَص العمل في لبنان.

وفي هذا السياق، أشار الباحث والصحافي البيئي منير قبلان لموقع “لبنان الكبير” الى أن “اللبناني يبحث دائماً عن منتجات زراعية جديدة، لكن ما يجب الالتفات اليه هو أن المنتج المرغوب بزراعته في الأراضي اللبنانية يجب أن تكون له سوق في لبنان والخارج أيضاً لتصريفه والافادة منه، وهذا يحتاج الى الترشيد والعمل عليه ضمن جداول وخطط معينة تخضع لدراسات متخصصة. فعلى سبيل المثال، لقد نجحت زراعة الأفوكادو في لبنان مؤخراً وأصبح منتجاً زراعياً واعداً ومجدياً ومنافساً في جميع الأسواق”.

أضاف: “يقول جبران خليل جبران: ويل لأمّة تأكل مما لا تزرع. لذلك ينبغي الاهتمام بهذا القطاع عبر الاعتماد على مزروعاتنا بصورة كبيرة من أجل تحقيق عدة أهداف منها: الهدف الاستراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي للبنانيين، والهدف الثاني هو تشغيل اليد العاملة المتخصصة في هذا المجال، أما الهدف الثالث فهو تخفيف فاتورة الاستيراد والانتاج محلياً لخفض ثمن المنتج على المستهلك اللبناني”.

استثمارٌ مرحّب به؟

بحسب دراسات تقديرية سابقة تعود إلى العام 2018، تبرز أكثر فأكثر أهمية قطاع الأغذية الزراعية، فقد شكّل نسبةً ملحوظة تبلغ 38% من الناتج الصناعي للبلد واستأثر بـ 2.9% من إجمالي الناتج المحلي، ما عزَّز مكانته باعتباره أكبر مُساهم في ناتج القطاع الصناعي. وقُدّر حجم صناعة الأغذية الزراعية بـ 1.6 مليار دولار كما أظهر نمواً كبيراً بحيث سجل معدل نمو سنوي مركّب يبلغ 9.5% بين العامين 2010 و2018.

من شأن بعض المحاصيل والمنتجات الزراعية، وتحديداً تلك التي تتمتّع بميزة نسبية وتُعرَض في الأسواق العالمية بأسعار تنافسية، أن تمهّد الطريق نحو المزيد من الاستثمار الزراعي. فدمج الحلول المتطوّرة، بدءاً بالمكننة وتحليل البيانات وصولاً إلى الممارسات الزراعية الذكية، ربما يبشّر بحقبة جديدة من الازدهار الزراعي. ولا شكَّ في أنَّ التعاون مع مزوّدي التكنولوجيا والشركات الناشئة يَعِد بمستقبلٍ يحقق فيه القطاع مستوى أعلى من الكفاءة ويقلل من اعتماده على الواردات.

وفي هذا الشق، أكد قبلان أن “هناك العديد من المشاريع الزراعية المخصصة للبنان سواء تلك المتعلقة بوزارة الزراعة بالتعاون مع منظمة الفاو الدولية، أو تلك المخصصة من جمعيات دولية تدعم المزارع اللبناني، وبالتالي تتيح له الدخول في مشاريع زراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والوفر الاقتصادي لبيع الانتاج وتأمين أسواق محلية وخارجية، وهذه الامكانات موجودة في ظل توافر الأراضي الزراعية القابلة للزراعة في لبنان”.

شارك المقال