الامارات… الدولة العربية الرائدة في اقتصاد المعرفة

سوليكا علاء الدين

تحت شعار “مدن المعرفة والثورة الصناعية الخامسة”، أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة (MBRF) وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP) فعاليات النسخة الثامنة من “قمة المعرفة”، وذلك في مركز دبي التجاري العالمي يومي 21 و22 تشرين الثاني الجاري. القمة التي تضمّنت أيضاً جلسات افتراضية في 23 تشرين الثاني، انخرطت فيها كوكبة واسعة من الخبراء وأصحاب القرار والمسؤولين الحكوميين والمتخصصين في مجالات متنوعة من مختلف أنحاء العالم.

وضمن جلسة نقاشية حملت عنوان “بناء مدن المعرفة معاً”، أعلن عن تفاصيل نتائج “مؤشر المعرفة العالمي 2023” وشارك فيها كل من سعادة جمال بن حويرب المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وخالد عبد الشافي مدير المركز الاقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الانمائي والدكتور هاني تركي رئيس المستشارين التقنيين ومدير مشروع المعرفة لدى برنامج الأمم المتحدة الانمائي. ويهدف المؤشر المعرفي إلى تقويم مفهوم المعرفة من جوانب متعدّدة ومختلفة، ويغطي 138 دولة من بينها 12 دولة عربية ويشمل نحو 155 مُتغيّراً من أكثر من 40 مصدراً وقاعدة بيانات دولية. كما يوفر أداة منهجية لتوجيه وإعلام صناع السياسات والباحثين والمجتمع المدني والقطاع الخاص للتعاون في مختلف جوانب السياسات لتعزيز دور المجتمعات القائم على المعرفة وسد الفجوات المعرفية.

يعتمد “مؤشر المعرفة العالمي” على قياس معدلات أداء سبعة قطاعات مؤثرة في إنتاج المعرفة ونشرها وتطبيقها هي: التعليم ما قبل الجامعي، التعليم العالي، التعليم الفني والمهني، البحث العلمي والابتكار، التنمية الاقتصادية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالاضافة إلى البيئات التمكينية الداعمة التي تساهم في خلق المناخ المعرفي. ويُبرز المؤشر – الذي انطلق في العام 2017 – أوجه القوة والضعف في أداء الدول المعرفي ويولي أهمية كبرى للعلاقة المتينة بين المعرفة والتنمية، إذ يُعتبر المؤشر الوحيد الذي يقوّم مدى التفاعل المعرفي على مستوى الدول ما يشكل مصدراً أساسياً وموثوقاً للبيانات التنموية العالمية من أجل فهم التحولات الراهنة ومواجهة التحديات المقبلة، وبالتالي تحديد رؤية مستقبلية تنموية شاملة.

وفي هذا السياق، يقدّم “مؤشر المعرفة العالمي 2023” تحليلاً شاملاً لاتجاهات المعرفة العالمية وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي في أعقاب جائحة كوفيد-19، مع تسليط الضوء على الآثار بعيدة المدى على مختلف جوانب الحياة. كما يقوم بتقويم نقاط الضعف الناجمة عن الجائحة مُقترحاً مسارات للتعافي، مع التركيز على دور التكنولوجيا والتعلم والابتكار في إعادة تشكيل المجتمع والافادة من البنية التحتية للمعرفة لخلق فرص العمل والتنمية المستدامة.

وقد أظهرت النتائج المُعلنة للعام 2023، تصدّر سويسرا قائمة الـ 133 دولة (69.09)، من حيث الأداء في المجالات المعرفية، متفوّقة على الولايات المتحدة الأميركية التي احتلت المركز الأول العام الماضي. وحازت فنلندا (68.09) على المركز الثاني، تليها كل من السويد (68.03) وهولندا (67.03). وعلى المستوى العربي، حافظت دولة الامارات العربية المتحدة على مكانتها الرائدة وترتيبها في صدارة الدول العربية في “مؤشر المعرفة العالمي 2023″، بحيث تربّعت على عرش المرتبة الأولى عربياً والـ26 عالمياً (60.47). وجاء أداء الدولة متميزاً من حيث البنية التحتية المعرفية، واحتلت المرتبة الـ26 بين 61 دولة ذات تنمية بشرية مرتفعة جداً.

ويعكس هذا التفوق المعرفي للامارات الجهود الاستثنائية المبذولة من أجل تعزيز مفهوم المعرفة ونشرها وتبادلها وبناء اقتصادي صلب قائم على دعائم المعرفة. واحتلت قطر (54.77) المرتبة الثانية عربياً و39 عالمياً، تتبعها مباشرة المملكة العربية السعودية (54.47) في المرتبة 40 عالمياً ومن ثم الكويت (52.37) في المرتبة 44.

وفي تفاصيل أرقام الامارات، ارتكزت نقاط قوة الدولة على خمس مجالات، هي الاشتراك في الانترنت ذي النطاق العريض عبر الأجهزة المحمولة لكل 100 نسمة، وسرعة التحميل والتنزيل للبيانات على الهاتف المحمول. بالاضافة إلى نسبة التحصيل التعليمي في إكمال البكالوريوس أو ما يعادلها، ونسبة نشاط الموظف الريادي، والأفراد الذين يمتلكون مهارات أساسية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما تمكنت الدولة من الحصول على المرتبة 37 مع تسجيل 76.2 نقطة في التعليم قبل الجامعي، والمرتبة الثانية في التعليم التقني مع 69.1 نقطة، والمرتبة 47 مع 51 نقطة، كذلك المرتبة 29 في البحث والتطوير والابتكار، مع 37.9 نقطة. أما في الاقتصاد، فقد حازت الامارات المرتبة الـ13 عالمياً مع 66.9 نقطة، واحتلت المرتبة الـ45 عالمياً في البيئة التمكينية بتسجيلها 62.9 نقطة.

كما أظهر المؤشر بعض التحديات التي تواجه الدولة، أبرزها السكان المشمولون بالحماية الاجتماعية، والبصمة البيئية للفرد، والباحثون في التعليم العالي، ونسبة المشاركين في برامج التعليم والتدريب الرسمي وغير الرسمي، واستهلاك الطاقة المتجددة، مؤكداً أهمية اعتماد سياسات استباقية بعيدة المدى لا تخضع للتقلّبات الظرفية الاقتصادية.

منذ سنوات والامارات العربية المتحدة تهدف إلى تحويل اقتصادها إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار كمحركين رئيسين للنمو الاقتصادي وذلك عبر إعتماد مجموعة من الاستراتيجيات والخطط الفاعلة في مجالات عديدة مثل الاستثمار في التعليم والتدريب، تشجيع البحث والتطوير، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. واليوم، تخطو الامارات خطوات معرفية جبّارة مبنية على أسس وقواعد راسخة تتيح نمو القطاعات المعرفية وازدهارها بحيث تتطلع إلى تعزيز مكانتها كوجهة عالمية لتأسيس الأعمال القائمة على الابتكار والذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال. وفيما يحقق اقتصاد المعرفة نتائج إيجابية لافتة، من المتوقع أن يواصل نموه في السنوات المقبلة لا سيما مع توجّه سياسات الدولة الاقتصادية إلى تقليص الاعتماد على اقتصاد النفط، وترسيخ الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار من خلال تطوير قطاعي التكنولوجيا والخدمات، وتحسين الصناعات الوطنية، ودعم الكفاءات العالية والمواهب المميزة وتعزيز التعاون الدولي؛ ليتحوّل إقتصاد المعرفة إلى إقتصاد الامارات المستقبلي القادر على الاستجابة للمتغيرات الدولية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

شارك المقال