تغير المناخ: تهديد وجودي للبشرية والاقتصاد العالمي

سوليكا علاء الدين

أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تقريراً جاء فيه أنّ العام 2023 حطَّم الأرقام القياسية المناخية، إذ شهد ظواهر جوية متطرفة خلَّفت وراءها آثاراً من الدمار واليأس. كما أعلنت المنظمة أنّ هذا العقد هو الأحرّ على الاطلاق بهامش واضح على اليابسة وفي المحيطات على حد سواء، إذ سجّل متوسط درجة الحرارة العالمية 1.10 ± 0.12 درجة مئوية في الفترة الممتدة بين 2011 و2020 أعلى من متوسط الفترة من 1850 إلى 1900. ومنذ تسعينيات القرن العشرين، كان كل عقد تالٍ أحر من جميع العقود السابقة.

وأكّد تقرير المنظمة المؤقت عن حالة المناخ العالمي أن العام 2023 مرشَّح أن يكون العام الأعلى حرارة حتى الآن. وأظهرت البيانات المتوافرة حتى نهاية تشرين الأول أن درجة الحرارة في هذا العام قد زادت بنحو 1.40 درجة مئوية على درجة الحرارة المرجعية في عصر ما قبل الثورة الصناعية ما بين 1850 و1900. وقد سبق أن صُنِّف العامان 2016 و2020 بأنهما الأعلى حرارة، غير أن الفرق بين هذين العامين وعام 2023 هو أن من غير المرجح جداً أن يؤثر الشهران الأخيران على التصنيف.

وأشارت السجلات السابقة إلى أنّ الأعوام التسعة الماضية من 2015 إلى 2023 كانت الأعوام الأعلى حرارة. ومن المتوقع أن تواصل الحرارة ارتفاعها في العام 2024 بسبب ظاهرة “النينيو” التي تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة، والتي ظهرت خلال فصل الربيع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية في العام 2023 وتطورت بسرعة خلال فصل الصيف. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه الظاهرة عادة ما يكون لها التأثير الأكبر على درجات الحرارة العالمية بعد أن تبلغ ذروتها. كما أظهر التقرير اتساع رقعة تغير المناخ عالمياً، وقدّم لمحة عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية على أن يصدر التقرير النهائي عن “حالة المناخ العالمي في 2023” في النصف الأول من العام 2024.

وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنّ من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ بين عامي 2030 و2050 بنحو 250 ألف حالة وفاة إضافية سنوياً، إذ تم تقدير تكاليف الأضرار المباشرة على الصحة بسبب تغير المناخ بما يتراوح بين 2 و4 مليارات دولار أميركي سنوياً بحلول العام 2030.

وفي السياق عينه، وعلى هامش اجتماعات تغير المناخ المنعقدة كجزء من مؤتمر الأطراف (COP28) في دولة الامارات العربية المتحدة، أظهر تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة أن الآثار المرتبطة بالجفاف قد وصلت إلى “حالة طوارئ غير مسبوقة” للمجتمعات في جميع أنحاء العالم.

ووفقاً للتقرير الذي حمل عنوان ” لمحة عن الجفاف العالمي”، فإن الطقس المتطرف يؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة فضلاً عن أن تأثيره على القطاعات الاجتماعية هو أكثر من أي كارثة أخرى وعدد الوفيات هو أكبر من أي نمط مناخي آخر، بحيث يواجه أولئك الذين يعيشون في البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل المخاطر الأكبر. وسلّط التقرير الضوء على حالات في جميع أنحاء العالم شهدت تضاؤل مستويات الخزانات، وانخفاض إنتاج المحاصيل وفقدان التنوع البيولوجي وانتشار المجاعات والآثار المرتبطة بنقص هطول الأمطار.

وقد عكس التقرير عدداً كبيراً من الحقائق المروعة المتعلقة بالجفاف، بحيث عانى 23 مليون شخص في القرن الإفريقي من انعدام الأمن الغذائي بسبب الجفاف بحلول كانون الأول 2022، بينما عانت 5 في المئة من مساحة الولايات المتحدة من حال شديدة من الجفاف إلى أقصى حد. ووصلت المساحة المتضررة من الجفاف في أوروبا إلى 630 ألف كيلومتر مربع في العام 2022، أي ما يوازي أربعة أضعاف متوسط مساحة الجفاف المسجلة بين عامي 2000 و2022. وفي ما يتعلق بتأثير الجفاف على الزراعة والغابات، فقد فقدت منطقة البحر المتوسط في الفترة الممتدة من 2016 إلى 2018، 70 في المئة من محاصيل الحبوب. كما خسرت جنوب إفريقيا حتى الآن ما لا يقل عن 33 في المئة من أراضي الرعي، بينما تأثرت مساحة تبلغ 73 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية في دول الاتحاد الأوروبي بين عامي 2000 و2022.

وتوقع الباحثون أن يعاني 170 مليون شخص من ظروف الجفاف الشديد في حال ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية. وفي حال تم الوصول إلى هذه العتبة، فهذا يعني أن اتفاق باريس قد فشل في الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة فوق العتبة البالغة 1.5 درجة مئوية.

يُعد تغير المناخ أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم ومستقبلاً، بحيث يُؤثر سلباً على التنمية المستدامة لا سيما في المناطق والدول الأكثر هشاشة. وبالاضافة إلى الخسائر البشرية الهائلة، تتفاقم الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة وترتفع التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الباهظة الثمن. إذ يمتدّ تأثير موجات الحرارة المرتفعة على القطاعات الاقتصادية الحيوية كافة مثل الزراعة والصناعة والسياحة والطاقة. وحسب صندوق النقد الدولي، أدّت الكوارث المناخية فيما مضى إلى خسائر دائمة بحيث تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5.5 في المئة في آسيا الوسطى و1.1 في المئة في اﻟﺸﺮق الأوسط وﺷﻤﺎل إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ.

إن التكاليف الاقتصادية لتغير المناخ لها مجموعة واسعة من العواقب، بما في ذلك انخفاض الانتاجية، والتوزيع غير العادل للدخل والثروة، وتآكل متوسط دخل الفرد، والتغيير الجذري في التكوين القطاعي للناتج والوظائف، بالاضافة إلى التحديات التي تفرضها على التجارة الدولية وما يرافقها من تغير في أنماط الاستهلاك والإنتاج والتوزيع والجودة، فضلاً عن تعطل سلاسل التوريد وزيادة تكاليف الإنتاج؛ ما يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي، وزيادة تكاليف المعيشة وارتفاع معدلات البطالة والفقر وتصاعد موجات النزوح والهجرة الجماعية. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ، فمن المتوقع أن تزداد التكاليف الاقتصادية التي من شأنها أن تفاقم عدم المساواة، وتفكك المجتمعات وظهور الصراعات، ما يشكل تهديداً خطيراً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي العالمي.

شارك المقال