الحرب على غزة: أزمة إنسانية وتكلفة اقتصادية باهظة في المنطقة

سوليكا علاء الدين

توقعت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أن تؤدي الحرب الاسرائيلية على غزة إلى مخاطر حدوث تصعيد إقليمي، وأن تؤثر هذه الحرب سلباً على اقتصادات الدول المجاورة، لا سيما الأردن ومصر ولبنان، وذلك على الرغم من أن الصراع لا يزال منحصراً بين القطاع وإسرائيل.

وفي ما يتعلّق بالدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رجّحت الوكالة أن تدعم أسعار الخام المرتفعة لعام آخر مقاييس الائتمان بها، بناءً على متوسط سعر خام برنت عند 80 دولاراً للبرميل. كما توقعت الوكالة أن تسجل الدول المصدّرة للنفط في المنطقة نمواً أقوى في العام 2024، مع زخم نمو القطاع غير النفطي، واستقرار إنتاج الخام على نطاق واسع بعد تخفيضات الانتاج في العام 2023. لكن “فيتش” أشارت إلى أن ضعف النمو العالمي في العام 2024 قد يؤدي إلى مزيد من خفض الانتاج من جانب تحالف “أوبك بلس”، بحيث تحوّل سوق النفط بصورة قاطعة إلى الفائض، لافتة إلى أن الاتفاق الأخير المبرم في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، سلّط الضوء على الإحجام عن التوسع بصورة كبيرة في خفض الانتاج.

وتواجه أساسيات الائتمان في البلدان الأخرى في المنطقة تحديات ناجمة عن أعباء الديون المرتفعة، وشروط التمويل الصعبة وسط ارتفاع معدلات الفائدة العالمية. ورجّحت الوكالة أن تبقى نسب الفائدة المحلية مرتفعة نظراً الى اتجاهات التضخم، في حين تشكّل حرب إسرائيل على غزة مخاطر على السياحة والمعنويات، على الأقل في المدى القريب، ويشكّل الدعم المالي الثنائي والمتعدد الأطراف عاملاً مهماً في تخفيف القيود في بعض البلدان، إلى جانب إحراز بعض التقدم في الاصلاحات الاقتصادية والمالية.

يذكر أنّ وكالة “ستاندرد آند بورز” غلوبال، كانت قد أشارت في تقرير سابق في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلى أنّ الحرب الراهنة في غزة قد أضرّت بالقطاع السياحي في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، إذ من المتوقع أن يقع الضرر الأكبر على كل من لبنان ومصر والأردن بسبب قربها الجغرافي واحتمال توسع نطاق الصراع عبر حدودها، ما سيؤدي إلى تراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي وإضعاف مراكزها الخارجية، على الرغم من امكان تخفيف ذلك إلى حد ما من خلال الدعم المحتمل من الجهات المانحة الدولية. وأضافت الوكالة: بعيداً عن الخسائر الكارثية في الأرواح والأضرار الباهظة التي لحقت بالبنية التحتية، فسيكون للحرب الاسرائيلية على غزة تداعيات على الاقتصادات الأخرى في المنطقة.

وكانت وكالة “موديز” للتصنيفات الائتمانية قد خفّضت التصنيف الائتماني السيادي لمصر بدرجة واحدة من “B3” إلى “Caa1” مُستقر جراء تدهور قدرة البلاد على تحمل الديون. وحذت حذوها وكالة “ستاندرد آند بورز” بحيث خفّضت تصنيف مصر السيادي بالعملة الأجنبية والمحلية إلى “B-” مستقر نزولاً من “B” سلبي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.

وفي خطوة إيجابية، ثبّتت الوكالة، تصنيف لبنان عند “C” بحيث تغيرت النظرة المستقبلية إلى مستقرة. وقالت “موديز” إن التوقعات المستقبلية المستقرة للبنان هي انعكاس لتوقعاتها بأن يبقى التصنيف عند “C” في المدى المنظور، موضحةً أن استمرار الفراغ السياسي يزيد من مخاطر حدوث أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية طويلة الأمد.

وأشارت الى أن تعرض لبنان لمزيد من الاحتدام في الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني من شأنه أن يبدّد بصورة جزئية مكاسب البلاد الحديثة في قطاع السياحة.

وفي سياق متّصل، أظهرت نتائج دراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا”، أن النظام الانساني في قطاع غزة شارف على الانهيار؛ الأمر الذي يعرّض حياة أكثر من 2.2 مليون من السكان لخطر داهم. وتناولت الدراسة الأممية الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة لأزمة غزة على البلدان المجاورة في المنطقة (الأردن ومصر ولبنان)، بالاضافة إلى التداعيات الناجمة على التنمية البشرية والعديد من عوامل التأثير الاقليمية المحتملة، مُستندة بذلك الى الدروس المستفادة من الصراعات السابقة في المنطقة، بما في ذلك غزو العراق عام 2003، والحرب على غزة 2008 – 2009، والأزمة في سوريا.

كذلك أظهرت أن التكلفة الاقتصادية للحرب في غزة على الدول العربية المجاورة الثلاث قد تصل من حيث خسارة الناتج المحلي الاجمالي إلى 10.3 مليارات دولار أو 2.3 في المئة هذا العام، مع دفع أكثر من 230 ألف شخص إلى الفقر مع امكان ارتفاعها في حال استمرار الحرب ستة أشهر أخرى.

وجاءت الحرب في الوقت الذي تواجه فيه هذه الدول العربية صراعاً مع الضغوط المالية وتغيرات أسعار النفط وتباطؤ النمو والبطالة الحادة، وعرقلة الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه، فضلاً عن الإضرار بالاستهلاك والسياحة والتجارة.

لا شك في أنّ الحرب على غزة هي كارثة انسانية واقتصادية على حد سواء، ومع تواصل آلة الدمار واستمرار حالة عدم اليقين، تتعرض اقتصادات الدول العربية لتهديد مباشر بحيث تتجه المؤشرات الاقتصادية كافة نحو التدهور والانهيار، والتي من المتوقع أن تتفاقم سوءاً في حال استمرارها؛ ليرتفع معها منسوب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.

شارك المقال