من الاستهلاك إلى الاحتجاج… حملات المقاطعة تضغط على مبيعات الشركات

هدى علاء الدين

تُعرف “المقاطعة” بأنها رفض شراء منتج أو المشاركة في نشاط ما كوسيلة للاحتجاج على الممارسات غير العادلة. وتعود الكلمة إلى تشارلز كننغهام بويكوت، وكيل الأراضي الانكليزي الذي قام بزيادة الايجار بصورة كبيرة للمستأجرين لديه في ايرلندا، ما أدى إلى عمليات إخلاء جماعية.

وأصبح نهج المقاطعة سائداً في السنوات الأخيرة كوسيلة للاحتجاج السياسي والضغط على الحكومات والشركات، بهدف زيادة الضغط السياسي، والتأثير الاقتصادي من حيث انخفاض المبيعات والايرادات وارتفاع التكاليف، وحتى تغيير السياسات المنتهج، وهو أسلوب اعتمدته حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي بدأت في العام 2005. وفي المجمل، تُعتبر حركة المقاطعة (وهي حركة غير عنيفة) تكتيكاً أكثر منها منظمة، وتهدف إلى إنهاء الدعم الدولي لقمع اسرائيل للفلسطينيين والضغط عليها للامتثال للقانون الدولي.

واكتسبت هذه الحركة زخماً في العالم العربي في الفترة الأخيرة بسبب الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية. ومع بداية الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة في تشرين الأول الماضي، عادت هذه الحركة إلى الواجهة بحيث رفض المستهلكون في العديد من دول العالم العربي والاسلامي شراء منتجات العلامات التجارية التي يُزعم أنها تدعم إسرائيل في قمعها للفلسطينيين.

واعتبر مؤيدو حملات المقاطعة أن إصدار شركات عالمية بيانات تعبّر عن أسفها لسقوط ضحايا من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وارتفاع حوادث معاداة السامية وكراهية المسلمين، وتبرعها للصليب الأحمر وغيره من منظمات الاغاثة التي تساعد الأسر المتضررة “في منطقة الشرق الأوسط”، وحديثها عن أملها في أن يتحقق السلام لكل من الفلسطينيين والاسرائيليين، دليل على فاعلية هذه الحملات.

ودفعت حملات المقاطعة العالمية للشركات التي لها أنشطة في إسرائيل، العديد من الشركات إلى تبرير موقفها، ومحاولة إصلاحه بتعديل سياستها التجارية أو الاستثمارية، استجابةً للضغط العام، مع التأكيد على حياديتها.

ومؤخراً، سحبت ماركة “زارا” حملتها الاعلانية التي أطلقتها قبل أيام، بعد انتشار دعوات المقاطعة بصورة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لاحتواء الحملة على صور اعتبرتها عدة جهات تسخر من قتلى الحرب في قطاع غزة، وهو ما نفته الشركة الاسبانية. وأشارت إلى أن بعض العملاء شعر بالاهانة من هذه الصور، التي باتت محذوفة، وأعطاها تفسيرات بعيدة جداً عما كان مقصوداً منها عند إنشائها.

كما أثار إعلان شركة “ماكدونالدز” الأميركية عن توزيع وجبات مجانية على الجنود الاسرائيليين ردود فعل غاضبة في العالم العربي، حيث سارع وكلاء الشركة في عدد من البلدان العربية إلى النأي بأنفسهم عن هذا التصرف، قائلين إن ليست لهم أي علاقة بهذا القرار، بل إن بعضهم أعلن عن تقديم تبرعات لصالح أهالي غزة. وأعربت الشركة في بيان الشهر الماضي عن “صدمتها البالغة” من المعلومات المضللة التي تم تداولها بشأن موقفها من الصراع في المنطقة، مؤكدة أن أبوابها مفتوحة للجميع، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنسية. كما أكد فرع الشركة في مصر ملكيته المصرية، وتعهد بتقديم 20 مليون جنيه مصري (650 ألف دولار) كمساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وأفاد موظف في شركة “ماكدونالدز” مصر، طلب عدم ذكر اسمه، بأن مبيعات السلسلة في مصر انخفضت بنسبة 70 في المئة على الأقل في شهري تشرين الأول والثاني 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

ورداً على مزاعم ترددت مؤخراً حول قيام شركة “ستاربكس” بتقديم دعم مالي للحكومة الاسرائيلية أو الجيش الاسرائيلي، أصدر الوكيل التجاري لسلسلة المقاهي الشهيرة في الشرق الأوسط بياناً نفى فيه تلك المزاعم جملة وتفصيلاً. وأكدت الشركة أنها منظمة غير سياسية، ولن تشارك في أي نشاط، نافية الشائعات عن دعمها المادي لاسرائيل. وفي خطوة غير مسبوقة، أعلنت شركة “ستاربكس” عن خفض أسعار منتجاتها بنسبة تصل إلى 70 في المئة. وجاء هذا القرار بعد أن تسببت حملات المقاطعة في انخفاض مبيعات الشركة بنسبة 30 في المئة في المنطقة العربية.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها العلامات التجارية المستهدفة للدفاع عن نفسها والاحتفاظ بالعمل من خلال العروض الخاصة، استمرت حملات المقاطعة في الانتشار، في بعض الحالات خارج العالم العربي. ففي خطوة رمزية احتجاجاً على الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، أزال البرلمان التركي منتجات “كوكا كولا” و”نستله” من مطاعمه في وقت سابق الشهر الماضي. وأشار مصدر برلماني إلى أن القرار جاء استجابة لـ”غضب عام” ضد العلامتين التجاريتين، اللتين اتهمتا بدعم إسرائيل.

أما في باكستان، فقد دعت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة شركات مثل “دومينوز” و”كارفور” و”ماكدونالدز” و”كوكا كولا” و”بيبسيكو” للأسباب نفسها. وانتشرت دعوات الى مقاطعة المنتجات الأميركية والأوروبية، بما في ذلك منتجات بريطانيا وفرنسا وألمانيا، احتجاجاً على دعم هذه الدول السياسي والعسكري لاسرائيل، وزيارة زعمائها اليها ودعمهم لها.

ومع استمرار المقاطعة، شهد بعض الشركات انخفاضاً حاداً في مبيعاته مع استمرار المستهلكين في مقاطعته بسبب ارتباطه بإسرائيل. على سبيل المثال، خسرت شركة “ستاربكس” وحدها حوالي 12 مليار دولار من قيمتها السوقية في أعقاب دعوات المقاطعة. ويرى الاقتصاديون أن المقاطعة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني، فهي تُسهم في تعزيز المنتج الوطني وتغيير النمط الاستهلاكي للمواطنين من خلال التوجه نحو الصناعات المحلية والمنتجات الوطنية. وتشير الاحصاءات مثلاً إلى انخفاض الميزان التجاري بمقدار مليار دينار في الأردن بسبب المقاطعة. هذا يعني أن الأردن استورد أقل وصدر أكثر، ما أدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات المحلية، وبالتالي زيادة فرص العمل في الاقتصاد الوطني وزيادة الانتاج.

بين مؤيد لأسلوب المقاطعة الاقتصادية والثقافية يجد فيها أداة فاعلة للضغط على الحكومات والشركات لتغيير سياساتها أو ممارساتها، ومعارض يرى أنها أداة غير فاعلة يمكن أن تضر بالعمال والشركات المحلية التي تحصل على حق الامتياز التجاري (فرانشايز(، يبقى الجدل حول فاعلية أسلوب المقاطعة وتأثيره الايجابي أو السلبي، رهن مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك أهداف المقاطعة، والجهات الفاعلة التي يتم استهدافها، ومدى التنسيق بين المشاركين فيها، ومدة المقاطعة. في المقابل، يرى المعارضون أن هذه المقاطعة يمكن أن تكون أداة فاعلة في بعض الحالات، ولكن يجب استخدامها بحذر. ويجادلون بأنها يجب أن تستهدف الجهات الفاعلة المسؤولة عن السياسات أو الممارسات التي يعارضونها، وليس الشركات أو الأفراد العاديين الذين قد لا يكونون على دراية بهذه السياسات أو الممارسات.

شارك المقال