نيران حرب غزة تطال لبنان اقتصادياً وبيئياً

سوليكا علاء الدين

نشر برنامج الأمم المتحدة الانمائي تقريراً بعنوان “حرب غزة: نتائج أولية حول الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على لبنان”، قدّم فيه تحليلاً أولياً للآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المحتملة لحرب غزة المستمرة على لبنان، مع التركيز على المناطق الحدودية الجنوبية.

وذكر التقرير أن القطاعات الاقتصادية الرئيسة، وهي السياحة والخدمات والزراعة، تضررت بشدة من حرب غزة، ما أدى إلى فقدان فرص العمل والدخل لنسبة كبيرة من سكان لبنان. كما أن احتمال انكماش الاقتصاد بات مرتفعاً. فعلى الصعيد الوطني، شهد قطاعا السياحة والخدمات، اللذان يسهمان بصورة كبيرة في الناتج المحلي الاجمالي وخلق فرص العمل، تراجعاً ملحوظاً منذ بداية الصراع، كما يتضح من تضاؤل أعداد المسافرين والطلب على خدمات الضيافة كالفنادق والمطاعم.

فقد سجلت الهيئة العامة للطيران المدني اللبناني عدد رحلات مغادرة أكبر من تلك القادمة الى لبنان خلال تشرين الأول 2023، وذلك بنسبة انخفاض 15 في المئة في تدفق الركاب مقارنة مع تشرين الأول 2022. كما انخفضت في الفترة ذاتها، معدلات إشغال الفنادق في لبنان إلى أقل من 10 في المئة بسبب إلغاء الرحلات والمغادرة المبكرة للزوار.

وشهد نشاط المطاعم على مستوى البلاد، مقارنة مع الأسبوع الأول من تشرين الأول 2023، انخفاضاً وصل إلى 80 في المئة في الأعمال خلال أيام الأسبوع، وانخفاضاً بنسبة 30 إلى 50 في المئة في عطلات نهاية الأسبوع بعد بدء الصراع.

وحذّر التقرير من خطر إضافي يتمثل في توقف التدفقات والتحويلات المالية، ما سيزيد من التحديات التي تواجهها البيئة المصرفية اللبنانية المعطلة أصلاً. ففي العام 2022، سجل لبنان أعلى نسبة تحويلات مالية إلى الناتج المحلي الاجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحيث بلغت 37.8 في المئة، أي ما يعادل 7 مليارات دولار أميركي سنوياً. ويصل أكثر من 70 في المئة من هذه التحويلات إلى لبنان من خلال قنوات غير رسمية، مثل الأفراد الذين يحملون الأموال النقدية عبر الحدود. بدوره، سيؤدي انخفاض تدفق الركاب إلى تأثير سلبي على تدفق التحويلات المالية، والتي توفر شبكة أمان اجتماعي مهمة لشريحة كبيرة من السكان.

وأشار إلى أن الرسوم المفروضة على التجارة الدولية، بما في ذلك الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، تشكل أكثر من 60 في المئة من إجمالي الايرادات الضريبية في لبنان. لذا، فإن تعطل الواردات سيصعب على الحكومة اللبنانية تحقيق التوازن المالي ودعم الانتعاش الاقتصادي.

وتم الإبلاغ عن خسائر فادحة في قطاع الزراعة في المنطقة المتضررة من الصراع – وهو يُشكل مصدر رزق أساسي لسكان المناطق الحدودية الجنوبية – مع تلف الأراضي، تلوث كيميائي، وتلوث من بقايا المتفجرات ما أدى إلى فقدان خصوبة التربة. كما أدّى القصف بقذائف الفوسفور إلى زيادة تلوث المحاصيل ومصادر المياه، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديداً للماشية وصحة الانسان. وقد تضرّرت المحاصيل الرئيسة مثل الزيتون والخروب والحبوب بصورة كبيرة، بحيث احترقت أكثر من 47000 شجرة زيتون.

وتسبب الصراع أيضاً في خسائر فادحة في قطاع الثروة الحيوانية في جنوب لبنان، حيث قُتل ما يقرب من 200 ألف طائر و700 رأس من الماشية، كما دُمرت 250 خلية نحل و60 دفيئة. وأدى العنف إلى تقييد وصول الصيادين المحليين إلى مناطق الصيد، الأمر الذي تسبب في تدهور مصدر رزقهم الأساسي. وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، تعرضت 91 قرية في النبطية وجنوب لبنان الى 1768 هجوماً عسكرياً، ما أسفر عن وقوع إصابات ونزوح داخلي لـ 64 ألف شخص، وإلحاق أضرار جسيمة بالمساكن والشركات.

تقرير الأمم المتحدة الأولي سلّط الضوء على العواقب السلبية التي لحقت بالمناطق المحمية والغابات والمراعي والمسطحات المائية ونوعية الهواء والأراضي. إذ إنّ الدلائل الأولية أشارت إلى أن استخدام الفوسفور الأبيض قد تسبب في أضرار بيئية واسعة النطاق، ما أثر على النظم البيئية الطبيعية ونوعية المياه، بالاضافة إلى خطره المستمر على صحة الانسان وسلامته؛ مع الاشارة إلى أنّ الأمر لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث لتقويم التأثير الكامل للصراع.

تجدر الاشارة إلى أنّ هذا التقويم الأولي استند إلى مراجعة مكتبية للبيانات المتاحة، وأكملتها مقابلات غير رسمية مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، والبيانات الأولية التي جمعها فريق برنامج الأمم المتحدة الانمائي. ويأتي هذا التقرير في أعقاب إطلاق تقريرين لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي و”الاسكوا”: “التداعيات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة لحرب غزة على البلدان العربية المجاورة” و”حرب غزة: التداعيات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة على دولة فلسطين”.

منذ أكثر من أربع سنوات، يعيش الاقتصاد في لبنان أزمة لا نهاية لها، فاقمت من حدة معاناة اللبنانيين الذين فقدوا أموالهم ووظائفهم وجنى أعمارهم، وبات الكثير منهم يعيشون في فقر مدقع. ومع اندلاع الحرب الاسرائيلية على غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول، أصابت شظايا الحرب الاقتصاد اللبناني بقطاعاته ومؤسساته كافة، وألحقت أضراراً جسيمة لا سيما بسكان المناطق الحدودية جراء تضرر منازلهم وأراضيهم وسبل عيشهم. وعلى الرغم من أن المساحة الجغرافية للحرب لا تزال تنحصر في جنوب البلاد، إلا أن لبنان المنهار على الأصعدة كافة يدفع فاتورة باهظة الثمن وهو لا يستطيع تحمل أعباء هذه الحرب ولا يملك القدرة على مواجهة تكاليفها؛ سواء كانت خسائر بشرية، أو اقتصادية، أو اجتماعية أو حتى بيئية.

شارك المقال